لزمن طويل، يمتدّ إلى ما قبل القرن التاسع عشر وتواصَل حتى جزء من القرن الماضي، سيطرت قناعة تقول بأن أشكالاً فنية مثل الرواية والمسرح، والسينما بعدها، عليها أن تتريّث قبل تناول الأحداث التاريخية، وإلا لن تجد حظّها من المقروئية والمتابعة مع تقدّم الزمن وتشكّل صورة عامّة عن الأحداث، أي أن الفنانين كانوا حاملين لهاجس "الوقوع في التسلّل" في معناه الرياضي بتقديم قراءة متسرّعة.
منذ عقود معدودة، بدت هذه القناعة وقد اهترأت، ولم يعد يلتفت إليها المبدعون غالباً. يجسّد المنعطف العربي الحالي (2011 - 2016) لحظة مراكمة فنية موازية للواقع، فالرواية العربية انشغلت به وكذلك السينما والمسرح والفنون التشكيلية، من دون أي تهيّب أو حسابات معقّدة.
لعل سبباً آخر دفع المبدعين إلى ذلك، غير محاولة رمي دلاء مواقفهم في المياه المتحرّكة للأحداث؛ فالتكنولوجيا باتت تُتيح توثيقاً متتابعاً، جافّاً ومتضخّماً باستمرار، ما يُنتج حاجةً إلى قراءة موازية، إبداعية. ومن جانب آخر، ظهر في الثقافة العربية نموذج "الباحث"، فأخذ بأدواته (التاريخ والعلوم الاجتماعية أساساً) يقدّم مرويات متواترة عن الثورات والنزاعات هناك وهناك.
هكذا تغيّر مفهوم "الوقوع في التسلّل" ليصبح قول شيء في وقت متأخّر، ذلك الوقت الذي تكون فيه الساحة قد تشبّعت بالقراءات والمقاربات، وباتت تنتظر قراءة في راهن جديد.