بين "البحر الميت" والبيت الأبيض

03 ابريل 2017
+ الخط -
بعد أيام فقط من انعقاد القمة العربية الثامنة والعشرين في الأردن، تستقبل واشنطن قمتين متتاليتين. أميركية- مصرية تبدأ اليوم، والثانية بعد يومين بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب والعاهل الأردني عبد الله الثاني. وبحكم التعاقب السريع بين قمة البحر الميت وقمتي واشنطن، تجري مقارنة تلقائية بين المضمون والنتائج في الحالتين.
ركّز الإعلام العربي قبل القمة على الجديد الوحيد فيها، وهو عدد المشاركين من القادة والزعماء العرب. ومن السهولة بمكان اكتشاف أن لكل منهم أسبابه الخاصة وراء المشاركة. فمثلاً، يريد المغرب (لم يشارك الملك محمد السادس بشخصه في القمة) العودة بقوة إلى المحافل الإقليمية، أفريقياً وعربياً. لتصحيح المنهج السابق الانعزالي في التعاطي مع القضايا الإقليمية، والذي انعكس سلباً على المواقف الإقليمية من اهتمامات المغرب وقضاياه، خصوصاً قضية الصحراء. بينما جاءت مشاركة الرئيس السوداني عمر البشير استفادة من انعقاد القمة في بلد توافقي، وفي مستهل ولاية ترامب. أما المشاركة اللبنانية المزدوجة برئيس الوزراء ورئيس الجمهورية معاً، فليست سوى محاولة لإظهار التوافق الداخلي في لبنان، وتثبيت التوافق الخارجي (الإقليمي والدولي) حول تحييد لبنان، بعيداً عن الاستقطابات والضغوط المحيطة به. وهكذا كان لكل زعيم عربي أهدافه الخاصة ببلده، والتي قد لا تنطلق بالضرورة من المصالح أو الهموم العربية العامة، خصوصا إذا كانت تلك الهموم محدودة التأثير على هذا البلد أو ذاك.
كان البعد الثنائي هو الملمح الأبرز في قمة البحر الميت بين أجواء مصالحة وتهدئة، أو إشارات تنابذ وتوتر. وفي المقابل، غابت القضايا والمعضلات العربية المهمة عن القمة، ليس بمعنى الاستبعاد من جدول الأعمال، وإنما غياب الفعالية والاستجابة. فقد تناولت قرارات القمة كل الملفات المطروحة، سواء التقليدية المزمنة أو الجديدة المستحدثة. لكن نصوص تلك القرارات ومضامينها لم تكن على مستوى الأحداث، فجاءت تقليدية ترفض وتؤكد.. تدعو وتستبعد.. تجمد وتجدّد. وكعادة القمم العربية العادية، لم تتبن القمة أي قرار تنفيذي، يحمل إجراءات أو خطوات فعلية يمكن تطبيقها تجاه أي من القضايا المطروحة عليها. تستوي في ذلك ممارسات إسرائيل بحق الفلسطينيين والأراضي المحتلة، مع النفوذ الإيراني ومسألة مواجهته، فضلاً عن ملفات سورية واليمن وليبيا.
على النقيض من النمط الدعائي والطابع النظري الذي يميز معظم القمم العربية، فإن القمم العربية في واشنطن غالباً ما تكون قمم إنجاز وقراراتٍ تنفذ، وتوجهات يتم الالتزام بها بصرامة، خصوصاً من الجانب العربي. ولا بد هنا من الاعتراف بأن الأميركيين من الذكاء ما يجعلهم ينفذون فقط ما يلتزمون به صراحة وبشكل واضح. أما الجمل المنمقة والتعبيرات العامة من شاكلة تقدير دور الدولة كذا، أو تأكيد أهميتها دولة كبيرة في المنطقة، وضرورة التعاون والتنسيق لإيجاد تسوية سياسية لمشكلة كذا، فهي مواقف دبلوماسية عامة، لا ترتب التزاماً، وبالفعل لا تتقيد بها واشنطن.
القمة الأميركية المصرية اليوم، ثم الأميركية الأردنية بعد يومين، أهم كثيراً من قمة العرب في البحر الميت، ففي واشنطن ستناقش الخطط والاقتراحات التي لم يجهر بها العرب في قمتهم، بدءاً بما طرحه ترامب عن التعاون مع دول المنطقة لمكافحة التطرف والإرهاب، مروراً بالتصعيد ضد إيران والذي بدأ سياسياً وربما يأخذ أشكالاً أخرى لاحقاً، انتهاء بالقضية الفلسطينية، وما يلوح في الأفق إزاءها من أفكار جديدة، مثل التخلي عن حل الدولتين. وليس أدل من أهمية قمم واشنطن مقارنة بقمة البحر الميت ما أعلنه البيت الأبيض قبل يومين، حول الإقرار ببقاء بشار الأسد. فإعلانٌ كهذا، بعد انتهاء القمة العربية بيومين فقط، لا يؤكد فقط أن مصير المنطقة ومسار قضاياها يتحدّد في واشنطن، لكنه أيضاً يكشف تدني قيمة حجم القمة العربية وضآلته لدى واشنطن، بل ولدى العرب أنفسهم.
58A20E76-8657-4557-85A3-A5682BEB4B9A
سامح راشد

باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط. درس العلوم السياسية وعمل في مراكز أبحاث مصرية وعربية. له أبحاث ومقالات عديدة في كتب ودوريات سياسية.