تحدث بيب جوارديولا واصفاً المدرب الأرجنتيني مارسيلو بيلسا الذي يعتبر أحد أهم المجددين والمختلفين في عالم كرة القدم، فقال "أكنّ كل إعجاب وتقدير إلى مارسيلو بيلسا، حينما نشاهد مباريات معاً يقول لي: إذا لم تسجل أهدافاً، لا تنظر إلى الأمام، ولكن الى خط دفاعك، لأنك لم تستطع بناء الهجمة بشكل سليم".
بيلسا رجل مثالي جداً، في البيت وفي الحياة وفي كرة القدم، راديكالي متعصب لأفكاره، يلتزم بمبادئه حتى الموت، حيث قال مارسيلو عن نفسه أثناء تدريبه لفريق الأولد بويز الأرجنتيني، الذي وصل الى القمة تحت قيادته بعد ذلك "في مرة من المرات خسرنا بالخمسة، وأنا أدرب الأولد بويز، عدت الى بيتي وأغلقت باب غرفتي وانخرطت في البكاء، جاءت لي زوجتي وحاولت أن تقلل من الأمر، وسألتني ماذا أنت فاعل؟ قلت والدموع لم تجف من عيني: سأظل محافظاً على فلسفتي، وسأهاجم ولن أتراجع".
بيلسا عبّر عن حبه الشديد لطريقة لعب أياكس أمستردام الهولندي مع لويس فان جال، جيل "التلامذة" الذي خرج من منبع الكرة الشاملة، ليحتل أوروبا بالطول والعرض، ويسطر أعظم إنجازات البطولة أمام أباطرة القارة العجوز، وأكد مارسيلو أن طريقة لعب أياكس آنذاك (3-3-1-3) تروقه كثيراً، مع العلم أن المدرب الأرجنتيني له تجارب عديدة مع طريقة لعب مشابهة خلال فترة التألق مع منتخب تشيلي.
أما بيب جوارديولا فواصل التغّزل بالثنائي، واصفاً بيلسا بالموهوب الذي يتمنى أن يصل إلى عبقريته الكروية، مؤكداً أن لويس فان جال هو أعظم شخص تكتيكي تدّرب معه وتعلم منه، لذلك يصفه المقربون من بيب، بأنه مدير فني يعشق كرويف ويتعلم من فان جال.
كرة القدم عبارة عن دوائر مختلفة تتلاقى في بعض الاتجاهات، وكل دائرة تضم مجموعة من الأفكار والميول التي ينتهجها أصحابها، لذلك هناك فلسفة في البداية، ثم استراتيجية تساهم في تطبيق هذه الفلسفة، وبعدهما يأتي التكتيك، والثلاثي الذكي مارسيلو بيلسا، لويس فان جال، وبيب جوارديولا يتفقون جميعاً في ميلهم إلى الابتكار، ومحاولة إضافة صبغة هجومية خاصة مع فرقهم ولاعبيهم، مع الاتفاق التام أن كل مدرب منهم له مواصفات خاصة يمتاز بها، لكن هناك شبه تقارب في الإطار العام.
دعوة إلى الحلم
عاش مارسيليا موسماً صعباً للغاية خلال السنة الماضية، ولم يقدم أي شيء يُذكر، لذلك قررت إدارة النادي التعاقد مع مارسيلو بيلسا من أجل القيام بثورة فنية شاملة داخل أروقة الفريق، وليس فقط مجرد تغييرات طفيفة، أو تعديلات على التشكيلة الأساسية. فحينما زار بيلسا نادي مارسيليا في نيسان/أبريل الماضي، قام بجولة كاملة شاهد من خلالها كل شيء في النادي والمراحل السنية، ودوّن ملاحظات عديدة حول بعض الإيجابيات والكثير من السلبيات، وعرضها كاملة على الإدارة قبل إعلان موافقته على التدريب.
أما لويس فان جال، فقد قاد المغامرة الإنجليزية بعد انتهاء مهمته المونديالية مع الطواحين الهولندية، المدرب الخبير له تجارب ناجحة مع أندية عريقة مثل أياكس وبايرن والبرسا، يعبقها فترات من السقوط خصوصاً مع النادي الكتالوني والفريق البافاري، واليونايتد خرج من أزمة كبيرة بعد عام فاشل مع المدرب مويس، لذلك ستكون جولة فان جال ومانشستر شيقة للغاية، خصوصاً مع القوة التنافسية للدوري الإنجليزي في ظل وجود أندية بقيمة مان سيتي، تشيلسي، ليفربول، أرسنال.
ورغم الفوز بأربع بطولات من أصل ست خلال الموسم الماضي، إلا أن مسيرة الكتالوني الناجح بيب جوارديولا تظل مهددة مع البطل الألماني بايرن، لأن الفريق ما زال يعاني من شبح المقارنة مع ثلاثية هاينكس التاريخية، وكل خطوة جديدة يتم تشبيهها بالسابق، ومع حالة التحفز التي تقلب إلى عداء مستتر فإن الموسم الحالي سيكون مفصلياً في مسيرة بيب وبايرن، ومع وجود تأكيدات من الإدارة باستمراره مهما حصل، فإن كيفية سير الموسم المقبل ستكون مفصلية في مهمة جوارديولا.
تشابه تكتيكي
تكتيكياً، هناك شبه إجماع غير متفق عليه من قبل الثالوث التدريبي على محاولة اللعب بثلاثي خلفي صريح، مع وجود رباعي بالوسط وثلاثي هجومي متنّوع، هناك اختلاف حاد في التنفيذ بين كل طريقة على الرغم من التشابه في الشكل العام الخاص بطريقة اللعب (3-4-3) ومشتقاتها، لكن ليست العبرة أبداً في المسميّات التي تختلف من شخص إلى آخر، بل يكمن الفكر التخطيطي في كيفية تحريك الخصم وليس الكرة، وإجبار المنافس على اللعب كيفما تريد، بالإضافة إلى جعل الفريق مفاجئاً من حيث الأداء.
بدأ مارسيليا فترة المباريات الودية بتغييرات جوهرية من خطة (4-2-3-1) إلى (3-3-1-3) بالدفع بثلاثي صريح في خط الظهر، أمامهم لاعب ارتكاز يعاونه ثنائي على الأطراف في الهجوم والدفاع، مع لاعب وسط مهاجم وثلاثي أمامي، ووضع بيلسا لاعب الوسط روماو في الخلف، على طريقة ميدل مع تشيلي، من أجل إخراج الكرة بشكل صحيح إلى الأمام، بالإضافة إلى عنصر الرؤية الشاملة أمام منطقة مرماه.
ويحاول الهولندي لويس فان جال نسخ أفكاره في مونديال البرازيل الى داخل البريميرليج، مع محاولة اللعب بطريقة (3-4-1-2) في بعض المباريات الودية، من خلال تمركز ثلاثي دفاعي صريح في الخلف، مع ثنائي ارتكاز وثنائي على الأطراف، مع وجود صانع لعب أقرب إلى دور "التريكوارتيستا" القريب من دور ويسلي شنايدر مع إنتر ميلان، خلف ثنائي هجومي صريح، لذلك يسعى مانشستر نحو التعاقد مع قلب دفاع جديد، ولاعب وسط يجيد الجمع بين الاستحواذ والتحولات الهجومية.
وعلى طريقة نهائي الكأس الموسم الماضي أمام دورتموند، لعب بيب بثلاثي خلفي صريح، مع إغلاق كافة المنافذ أمام المرمى، ومحاولة ضرب أسود فيستفالين بالمرتدات، وهذا ما نجح فيه الفريق وسجل هدفين في نهاية المباراة، جوارديولا أعلنها صريحة خلال جلسة تكتيكية مع لاعبيه، من الممكن العودة إلى تكتيك الرجل الثلاثي في الخلف، وبعد التعاقد مع برنات، أصبح ألابا مدافعاً ثالثاً بجوار مارتينيز ولاعب آخر، مع الدفع بثنائي من الأظهرة على الأطراف، أي اللعب بخطة (3-3-1-3).
في النهاية، يبقى الأمر مجرد توقعات قبل الموسم المنتظر، لكن الشيء الأكيد أن كل مدرب سيحاول جعل فريقه يظهر بشكل مغاير وغير متوقع، مع وجود منافسات ضارية في كل البطولات المحلية، فقط علينا أن نحاول قراءة الخيط ثم انتظار ما تصل إليه الأمور.