لم تتمكن بورصة بيروت حتى اليوم من لعب الدور الموكل إليها بحسب القوانين والتشريعات. فهي لا تزال عاجزة حتى عن القيام بأصغر دور تقوم به بورصات العالم. بالرغم من أن بورصة بيروت تعد من الأقدم في تاريخ البورصات، حيث يعود تاريخ نشأتها إلى عام 1920، إلا أنها، ولأسباب عديدة، تعد الأضعف والأصغر مقارنة مع بورصات المنطقة.
غياب الرغبة السياسية
بحسب الخبراء، فإن الترهل الذي أصاب البورصة اللبنانية منذ سنوات، يعود سببه بالدرجة الأولى إلى غياب الرغبة السياسية الجادة والحقيقية لتطوير أدائها. إضافة إلى الذهنية المالية للشركات في لبنان، التي لا تعتبر البورصة آلية لزيادة أرباحها... ويعتبر الخبراء والمعنيون، أنه لن يصبح اللون الأخضر مسيطراً على أسهم بورصة بيروت، إلا بعد خصخصتها.
ومن يراقب عمل الشركات في بورصة بيروت يعي غياب الاهتمام بتطوير أدائها. إذ يوجد 17 وسيطاً مالياً، و12 شركة، تدرج أسهمها في البورصة يومياً. وهذا الضعف في عدد الشركات، يجعل مهام البورصة صورية أكثر مما هي فعلية.
يشير مدير عام بورصة بيروت بالإنابة، غالب محمصاني، إلى أن عمل البورصة معطل بسبب الأوضاع السياسية.
ويقول لـ"العربي الجديد": "منذ عام 2008، شهدت بورصة بيروت تراجعاً في حركتها، ويعود السبب في ذلك، إلى الأوضاع السياسية وشلل المجلس النيابي. حيث لا تزال القوانين المنظمة لعمل الشركات المالية في أدراج المجلس تنتظر الإقرار".
ويؤكد أن هذه الأوضاع لم تؤثر فقط على أداء البورصة فحسب، بل أثّرت كذلك على هيكليتها. فحتى اليوم لم يتم تعيين مدير عام للبورصة، ولم يتم حتى انتخاب أعضاء جدد. إلى ذلك، يشير محمصاني إلى أن الضعف الذي عاشته البورصة كان له أثر بارز على إنتاجيتها وفعاليتها أمام البورصات العربية، فالأرباح لا تتعدى ملايين الدولارات، فيما أرباح البورصات الأخرى في المنطقة تصل إلى المليارات. بالرغم من ضبابية المشهد السياسي، إلا أن البورصة سجلت حركة مقبولة مطلع العام. ووفق محمصاني، "فقد ساهم تشكيل الحكومة في تحسن أداء الأسهم، وانتعاش السوق، الأمر الذي حرك الجمود الذي أصيبت به البورصة خلال السنوات الماضية".
ولا شك أن حجم وعدد الشركات المدرجة في بورصة بيروت، يرسم آفاقاً واضحة عن نوعية الأعمال وحجمها.
ويشير في هذا الإطار الخبير الاقتصادي لويس حبيقة، إلى أن الذهنية العائلية التي تسيطر على الشركات في لبنان، تقف حجر عثرة في وجه تقدم عمل البورصة في بيروت.
ويقول لـ"العربي الجديد": لا تزال الذهنية العائلية مسيطرة على عمل الشركات في لبنان، الأمر الذي لا يسمح بدخول دم جديد إلى هذه المؤسسات، الأمر الذي أدى إلى غياب التنافسية. وبطبيعة الحال، فإن هذا الواقع حجّم عمل البورصة في بيروت منذ نشأتها". ويتابع "في لبنان، لا يمكن الحديث عن بورصة بالمعنى الصحيح للكلمة، لأن شروط العمل في البورصات مختلف تماماً عن ما يجري داخل بورصة بيروت". ووفق حبيقة، فإن "غياب التنافسية، وسيطرة بعض الشركات، أفقد عمل البورصة من جوهرها الحقيقي، وجعلها بعيدة عن الدور الأساسي الذي يجب أن تقوم به".
وتنتظر بورصة بيروت سن العديد من التشريعات والقوانين التي تساهم في تحسين أدائها.
وبحسب رئيس جمعية المؤسسات المالية في لبنان، جان حنا، فإن بورصة بيروت ستكون على موعد جديد في تطوير أدائها في عام 2015، فيما لو تم إقرار القوانين الخاصة بهيئة الأسواق المالية.
ويقول لـ"العربي الجديد": "ننتظر أن تسن القوانين والتشريعات التي تساهم في زيادة فعالية الأسواق المالية، ومنها قانون خصخصة البورصة، حيث سيساهم هذا الأمر في زيادة حدة التنافس بين الشركات العاملة في البورصة. وسيساهم أيضاً في دخول شركات جديدة، الأمر الذي يعطي دفعاً قوياً لوضع بورصة بيروت على السكة الصحيحة".
ويؤكد حنا، أن تفعيل القوانين المتعلقة بالأسواق المالية، وإنشاء هيئة الأسواق، وتنظيم عملها، سيساهم بشكل كبير في تغير السلوك المعتاد في عمل البورصة في بيروت. ويلفت إلى أن التشريعات ستساهم في وضع الأنظمة العامة والتطبيقية، ومنح التراخيص، والموافقة على إدراج الأدوات المالية، الأمر الذي يشجع المستثمرين على إدراج أسهمهم في البورصة.
وفيما يخص المعوقات التي كانت تقف في وجه الشركات المالية خلال السنوات الماضية، يقول حنا: "لم تستطع الشركات المالية في لبنان، إدراج أسهمها في البورصة خلال السنوات الماضية، نظراً للأوضاع التي مر بها لبنان. فمنذ عام 2005 إلى اليوم، يعيش لبنان على وقع الأزمات الأمنية، الأمر الذي يشكل عامل طرد لأي مستثمر".
ويلفت حنا إلى أنه "بالرغم من ذلك، استطاعت بورصة بيروت استعادة نشاطها المالي خلال الفصل الأول من 2014، حيث ساهمت الأوضاع السياسية، وتشكيل حكومة، في بث الروح داخل البورصة، ولذا فنحن ننتظر أن يساهم الاستقرار السياسي في عام 2015، بعودة النشاط المالي إلى البورصة، خاصة بعد إقرار القوانين والتشريعات.