بيت لحم تستعد لاستقبال البابا: بلد المسيح بلا مسيحيين

23 مايو 2014
الأرض المحتلة تستعد لاستقبال البابا (Getty)
+ الخط -

تضع اليوم مدينة بيت لحم اللمسات الأخيرة على زينتها، استعدادا لاستقبال البابا فرنسيس الأول، بابا الفاتيكان، الذي يزور مهد المسيح للمرة الأولى، في زيارة تبدأ صباح الأحد وتنتهي مساء الاثنين.

وتبذل المدينة جهدها في العناية بالتفاصيل، ما بين زراعة زهور على الطرقات، وتعليق لوحات تعكس معاناة المسيح المستمرة، منذ أن مشى حافياً بإكليل من الشوك على درب الآلام، يحمل صليبه، لكن وبعد أكثر من ألفي سنة لم يتغير الجلاد، فالمسيح "الفلسطيني" ما زال يحمل صليب آلامه، والإسرائيلي ما زال يتفنن في ابتكار أدوات العذاب، ولعل مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في المدينة، وجدار الفصل العنصري، الذي يقسم مهد المسيح، جزءٌ من أدوات العذاب، التي ابتكرتها اسرائيل، ومن الصعب تغطيتها عن عيون البابا بالزهور واللوحات، فهي أكبر وأبشع من تغطيتها.

يقول مدير المتحف الفلسطيني، جاك برسكيان: "نأمل أن تحرك هذه اللوحات مشاعر الناس في جميع أنحاء العالم، وتقرب من الرسالة الإنسانية".

"
مسيحيو فلسطين يسيرون في (درب آلام) ممتدّ، يتفنّن الاحتلال في أشكال عذاباته
"

يقول برسكيان ذلك وهو يشير إلى اللوحات الكبيرة، التي تم تعليقها في ساحات كنيسة المهد، ومخيم الدهيشة للاجئين وسط المدينة.

وقالت رئيسة بلدية بيت لحم، فيرا بابون: "بقاء مدينة بيت لحم، التي صدرت السلام للعالم، تحت الاحتلال هو مهزلة حقيقية".

من جهتها، دعت المتحدث الرسمي باسم زيارة البابا لفلسطين، أميرة حنانيا، المقدسيين إلى تحدي سلطات الاحتلال، والنزول إلى الشارع وإلقاء التحية على البابا، لأن رسالة الفلسطينيين رسالة أمن وسلام لا سياسة إرهاب وتهويد.

وتقول حنانيا: "الاحتلال الاسرائيلي يريد جعل مدينة القدس مدينة أشباح، من خلال فرض السيطرة عليها ومنع الفلسطينيين من النزول إلى الشوارع، لإلقاء التحية على الحبر الأعظم".

ويأمل مسيحيو فلسطين المحتلة أن يستطيعوا إطلاع البابا على معاناتهم، بسبب ممارسات الاحتلال، وتخوفاتهم من الهجرة المستمرة لأبنائهم بسبب التضييقات التي يفرضها الاحتلال على حياتهم، سواء الدينية أو الاقتصادية.

ويؤكد مراقبون أن أعداد المسحيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة في تناقص مستمر، بسبب هجرتهم إلى الخارج، وهو الخوف الذي يجاهر به المسيحيون أنفسهم حيث يخشون أن تصبح "بلاد المسيح دون مسيحيين"!

وتعلق بابون آمالا كبيرة على زيارة البابا فرنسيس لوقف نزيف الهجرة، الذي يهدد الوجود المسيحي الشرقي بفعل الاحتلال، حسب قولها.

"
نزيف الهجرة المسيحية من فلسطين على قائمة اهتمامات البابا
"

ويقول مستشار الرئيس الفسطيني للشؤون المسيحية، زياد البندك، لـ"العربي الجديد": "إن نسبة المسيحيين في فلسطين أصبحت 1.4 في المائة من مجموع التعداد السكاني في فلسطين٬ بينما كانت إبان الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين عام 1948 قرابة 18.15 في المائة من سكان فلسطين التاريخية".

ويعزو البندك هذا الانخفاض الحاد والمستمر إلى "سياسة الاحتلال وأساليبه القمعية المتعددة، وعدم التقدم في المسيرة السلمية٬ والوضع الاقتصادي السيىء نتيجة الاحتلال".

ويؤكد "كل الإجراءات الإسرائيلية من جدار الفصل العنصري٬ وسياسة الخنق الاقتصادية٬ وتقييد حرية العبادة، كل ذلك أدى إلى تهجير المسيحيين والمسلمين من فلسطين، على حد سواء، للبحث عن لقمة العيش والأمان".

وسيتسلم البابا، خلال زيارته الأراضي المقدسة المحتلة، رسالة من مسيحيين فلسطينيين موجودين في القدس والضفة الغربية، يشرحون فيها واقعهم الأليم بسبب ممارسات الاحتلال.

وستشمل زيارته أيضا تناول الغداء وحيدا، بطلب منه، مع خمس عائلات مسيحية ذات حالات اجتماعية خاصة، أحدها لديها أسير منذ سنوات طويلة في سجون الاحتلال٬ والثانية ممن صودرت أراضيهم بفعل الجدار٬ وبعض العائلات التي هجرت من الجليل٬ الأمر الذي سيتيح لهم نقل معاناتهم للبابا.

وتبلغ نسبة اللاجئين من المسيحيين 90 في المائة، بمعنى أن اللاجئين المسيحيين أكثر من المواطنين، وتتراوح نسبة اللاجئين المسيحيين من مجموع اللاجئين الفلسطينيين بين 18-24 في المائة.

وتعاني البلدات والقرى ذات الأغلبية المسيحية، مثل بيت لحم، بيت ساحور، بيت جالا -مثل غيرها من البلدات الفلسطينية ذات الأغلبية المسلمة - من سياسة قمع وتطهير عرقي تمارسها قوات الاحتلال، حيث تتم مصادرة أراضيها لصالح بناء المستوطنات وجدار الفصل العنصري.

ولعل بلدة بيت جالا، ذات الأغلبية المسيحية، أكبر دليل على ذلك، حيث فقد المئات من أبناء البلدة أراضيهم على يد الاحتلال، مما أدى إلى تهجيرهم، بعد أن خنق الاحتلال البلدة اقتصادياً٬ وعزلها عن المدن المحيطة والقدس٬ كما قُصف عدد من منازل المسيحيين مع بدايات الانتفاضة الثانية واجتياح بيت لحم.

"
الاحتلال يخنق البلدات الفلسطينية، ويستهدف مسلميها ومسيحييها
"

الأب جمال خضر، من كهنة البطريركية اللاتينية في بيت جالا، قال في حديث مع "العربي الجديد": "إن أراضي المدينة كانت تبلغ ١٧ ألف دونم٬ لكن بفعل الجدار والمستوطنات لم يتبقّ منها سوى ٣٥٠٠ دونم فقط (الدونم ألف متر)".

وأضاف:" الجدار العازل سوف يفصل بيت جالا عن غربها٬ خصوصا دير (كريمزان) ذا الأهمية الدينية لدى المسيحيين سكان المدينة٬ إلى جانب تقسيمها إلى مناطق (أ٬ ب٬ ج) ومناطق قدس٬ خاضعة ما بين سيطرة الاحتلال والسلطة الفلسطينية".

وتأثر مسيحيو  المدينة بشكل كبير من خلال عزل الجدار لـ"دير كريمزان"، والذي اعتادوا إقامة مناسباتهم الدينية فيه٬ وتحديداً شعائر وصلوات الأحد من كل اسبوع.

وإلى جانب مكانته الدينية، يعتبر "دير كريمزان" الرئة الخضراء، التي تتنفس منها بيت جالا، لكن الاحتلال استأصلها بمخططاته وسياسة وضع اليد.

وبات من الصعب على المسيحيين، أيضا، الوصول إلى أهم الكنائس والأديرة، إما بسبب وقوعها على حدود جدار الفصل العنصري والخط الاستيطاني للأراضي المصادرة، أو بسبب وجودها في القدس، مثل كنيسة الخضر وكنيسة "القيامة"، والتي لا يستطيع آلاف المسيحيين من سكان الضفة الغربية وقطاع غزة الوصول إليها، إلا بتصاريح من الاحتلال، وعادة لا يتم منحهم التصاريح، أو يتم منح تصريح لأحد أفراد العائلة من دون البقية، مما يفسد فرحة العيد على العائلة.

ويؤكد البندك أن حرية العبادة مقيدة، وقد منع الاحتلالُ المسيحيين من إقامة صلواتهم ومناسباتهم الاجتماعية والدينية في مدينة القدس.

وقامت الناشطة الشبابية، دوريس عواد، قبل أشهر بتنظيم حملة "الحق في العبادة"، حيث قامت مع الفعاليات المسيحية برفع قضية أمام المحكمة العليا الإسرائيلية، ضد شرطة الاحتلال، التي تمنع آلاف المصلين المسيحيين من الوصول إلى أماكن العبادة المسيحية في القدس.

وقالت عواد لـ"العربي الجديد": "لقد شهدت هذه الأرض أنواعا كثيرة من الاحتلال، ولم يحدث أبدا أن تم منع المؤمنين المسيحيين من الوصول إلى مقدساتهم، كما يفعل الاحتلال الإسرائيلي".

ويقول البندك: "كل فلسطيني يريد الدخول إلى القدس، يحتاج إلى تصريح، تعود الموافقة عليه إلى الضابط الاسرائيلي٬ ويعتبر هذا تقييدا لحرية العبادة يتناقض مع كل الشرائع الدولية".

 

 

دلالات