بيت صغير في القدس

20 ديسمبر 2015
إبراهيم جوابرة / فلسطين
+ الخط -

ما يزال بيت جدتي في القدس قائمًا.

عاشت أمّي في ذلك البيت ستّ سنوات فقط، وفعلت ما يفعله الأطفال حين يلعبون في تلك المساحات الصغيرة من زقاق الحيّ التي تشكّل متاهة بتعددها. واليوم، وفي مكان ما في الأحياء الفقيرة في المدينة القديمة وفيما يعرف الآن بحيّ المغاربة، أتخيّل البحث عن بيت أمّي.

ولكن قبل أن أتخيّل ما سيشتمل عليه بحثي لا بدّ أن أعرف الشوارع بشكل أفضل.
لقد شارفت جدّتي على التسعين من العمر ولكنّها ما تزال قادرة على وصف الاتّجاهات المؤدية إلى بيتها كما لو كانت تمشي فيها. ستقول لك: من بوابة دمشق، تذهب يمينًا في شارع ضيّق جدّا.

أمّا أمي فتقول إنّها ما تزال تذكر النوافذ وأنّها تستطيع أن تصف لي شكلها وألوانها، ومكان الشرفة، وشكل الباب. فأخبرها بأن الألوان ستكون قد تغيّرت على الأغلب الآن. فتقول إنّ بإمكانها أن ترسم لي خريطة، فترسمها، كما ترسم جدّتي خريطة هي الأخرى.

أحمل الخريطتين، واحدة كتبت بالعربية والثانية بالصور، وأرى بيتًا: صندوق يعلوه مثلث. تلك الصورة المثاليّة للبيت، مع أنّ البيوت لا تبدو كذلك في فلسطين. فهي عادة مربّعة الشكل مبنيّة من حجارة القدس، تلك الحجارة الجيريّة الهشّة. لبعض تلك البيوت أسطح مفتوحة تغطّيها "الأنتينات" وأطباق "الستالايت" وحبال نشر الغسيل، وترى على بعضها أحيانًا قبابًا صغيرة.

سأتمكّن باتباع هاتين الخريطتين أن أجد بيت أمّي، ولكنّي لن أستطيع العودة إليه لأنّه نُزع من عائلتي، ولكنّي سأراه، سألمسه، وقد أتحدث مع الذين سرقوه. وبالتأكيد سأكتب عنه، وبعدها سأواصل البحث عن الطرق التي يمكن عبرها إعادة تخيّل فلسطين واستعادتها.

*

على أية حال، سيكون عليّ أن أرى ذلك البيت بنفسي، يتشكّل من المشهد الحلمي للمخيلة، كي يساعدني ذلك على الوصول إلى بيت أمّي في القدس: وتلك نقطة البداية للدخول إلى فلسطين جديدة.


(كاتبة فلسطينية/ نيويورك، الترجمة عن الإنجليزية: محمد زيدان)

 

اقرأ أيضاً: هواجس مقدسية لزمن قادم

 

دلالات
المساهمون