بيت الفلسطينيين وخيمتهم

23 ديسمبر 2015
+ الخط -
كان الفلسطينيون، قبل انتهاب وطنهم، ثم في العقد الأول من مرحلة اللجوء؛ يتأهبون لملاقاة الشتاء وهبوب الرياح، بتجديد صلاحيات بيوتهم الطينية في القرى، ثم خيامهم في المعسكرات. في الأولى، دأبوا، في منتصف كل خريف، على إعادة "تلييس" الجدران بخليطٍ من أنقى طين الأرض وتبن الدَريس. وفي مرحلة الخيام، كانوا يشدّدون على متانة الأوتاد، وسد المنافذ التي تتسرب منها الرياح الباردة إلى مضاجعهم. نستذكر هذا ونتساءل: ماذا فعلت القيادة الفلسطينية، أياً كانت، وكيفما كانت، لملاقاة هبوب الرياح الباردة، وزخات المطر؟
الناظر إلى وضع الكيانية الفلسطينية، وهي البيت الداخلي، والتي هي، حُكماً، فرس الرهان على جدارة الأداء، في السياسة وفي الاجتماع الوطني، يرثي لحالنا. ثمة مشكلة متعددة الأوجه، وعلى كل صعيد. بل إن ترك الجدران بلا "تلييس" وإهمال الأسقف والأوتاد يفاقمان الحال، ويوسّعان دائرة التردّي، حتى بات ثمة إشكالات تطاول القضاء والثقافة ووسائل الإعلام والرياضة، واللغة نفسها، مع إرباكٍ مفتعل، لمفاهيم ومصطلحات، كالفساد والنزاهة والوطنية، والمصالح العليا للشعب الفلسطيني، ووحدة القوى السياسية. فما الذي جرى للناس من الطبقة السياسية، ومن المثقفين، ومن أهل الرأي؟ ولماذا لم تعد مهمة مسألة التوقف، لمعاينة هذه الحال، وأخذ المقتضى، بينما الرياح تعصف بخيمتنا، وتنخر زخات المطر، جدران البيت؟
قبل أيام، أثار قرار حل مجلس أمناء مؤسسة الشاعر محمود درويش لغطاً في الساحة الفلسطينية. وفي الأثناء، كان التعارض بين قرار تعيين، يتعلق بساحة القضاء، والقائمين على هذه الساحة، من كبار القُضاة وسدنة العدالة. قبلها، نشأ إشكالٌ مسكوتٌ عن معظم حيثياته، يتعلق بإدارة النشاط الرياضي، وما يتصل بالسياسة على هذا الصعيد. وفي حركة فتح، اتسعت الفجوة بين المواقف داخل اللجنة المركزية، بينما قاعدة "فتح" العريضة تتوخّى تضييقاً لهذه الفجوة، وجمعاً للشمل الفتحاوي، توطئة لجمع الطيف الوطني. واللافت أن كل شيء بدا خاضعاً لحال الطوارئ، وتُدار الأمور باعتبار أن الوضع الفلسطيني مُعلق، وأن القرار يؤخذ دونما تشاور، ودونما اعتراض، أو مناقشة أو مفاضلة بين الخيارات. فإلى أي مآلٍ، سيأخذنا مثل هذه السياق الذي لن يكون بمقدور المدّاحين تجميله، أو مداراة عيوبه؟
المقلق، أو المُحرج، أن الأشقاء في الإقليم، والأبعدين المعنيين بمتابعة أمورنا؛ يعرفون دواخلنا، وبعضهم يتدخل باقتضاب، في الاجتماعات المغلقة. بعضهم هذا ينصح أو يصارح بضرورة اجتماع شملنا، وتصليب وضعنا، والتنبه لرخاوة أوتاد خيمتنا، لأن انفراط عقدنا، لا سمح الله، يؤثر عليه سلباً. بل إن أطراف الإقليم باتت معنيةً باستقرار الأوضاع الفلسطينية الداخلية، ولا طرف يرغب في أن نكون جزءاً منه. كلام كثير، وحوارات طويلة، تجري مع عناصر من الدائرة الأولى في الطبقة السياسية. ممثلون في السفارات، وأجهزة أمن، تتواصل مع بعضنا، والكادر الفلسطيني، بطبيعته، ذرب اللسان مع الآخرين، وتروق له الاتصالات مع ممثلي حكومات. هو، من جانبه، يفترض أنها صداقات، وهم يرونها علاقات للاستزادة من المعلومات عن حال الفلسطينيين، لا يعرفها الفلسطينيون من عامة الشعب. فإلى متى، سنظل راضين أن نكون مادة مثيرة وشيّقة، للآخرين، تتعلق ببؤسنا، وتنم عن ازدواجية الألسنة؟ فالساكتون، في الاجتماعات الداخلية، عن الحال المتردية، وهم أنفسهم المتدفقون بعبارات الشرح لها في المجالس المغلقة، وبصوت عال؛ محكوم عليهم بالجبن والسلبية، من سامعيهم قبل السامعين عنهم. أما ولي الأمر، راعي هذه الحال، فهو يخطئ كثيراً وجداً، إن أغوته كياسة اللغة البروتوكولية، في الاتصالات والزيارات، وظنها برهان الجودة، في مواقف الآخرين وانطباعاتهم.
حركة فتح إطار وطني جامع للتوجهات وللقناعات التفصيلية، بقدر ما تجدنّ، في صفوفها، وحدة في الرؤية لدور الحركة التاريخي وأهدافها العامة، ستجدن اجتهادات ومواقف عديدة، من شأن حال التردي العام، جعلها سجالاً داخلياً، وسياقاً من التهاجي العقيم والذميم. إن اليقيني والمؤكد، هو خلو الإطار من المُفكر وصاحب الرؤية الثاقبة، المنزهة عن الحسابات الصغيرة. انصرم الخريف، ودخل الشتاء وبلغ ذروته، بينما الخيمة معرّضة لهبوب الرياح، والجدران ينخرها المطر.