بيت السحيمي في القاهرة: شاهد على زمان "الحرملك"

27 ديسمبر 2015
(Getty)
+ الخط -
تكشف عمارة البيوت الأثرية المتبقية في القاهرة عن التقاليد المحافظة التي سيطرت على المجتمعات الشرقية زمناً طويلاً، ومن أشهر تلك البيوت التي استنقذتها عمليات الترميم والصيانة بيت السحيمي الذي يعود تاريخ إنشائه للقرن السابع عشر، وينتمي تصميمه للطراز العثماني، وإن كانت عمليات البحث قد كشفت أن بيت السحيمي يقوم على أطلال مبانٍ أخرى تعود للعصر الفاطمي.

ينتمي البيت لنوعية المنازل التي يمتلكها الأثرياء؛ وكان آخر من سكنه من الوجهاء، الشيخ محمد أمين السحيمي، شيخ رواق الأتراك في الأزهر، ولذا سمي البيت باسمه. توفي الشيخ السحيمي سنة 1928 فاشترته الحكومة المصرية سنة 1931 من ورثته بمبلغ 6 آلاف جنيه. وهو يقع في قلب منطقة الجمالية بحارة الدرب الأصفر المتفرعة من شارع المعز لدين الله الفاطمي في حي الجمالية بالقرب من باب الفتوح وباب النصر وسور القاهرة الفاطمي.

إنشاء البيت يعود إلى زمن أقدم من السحيمي. وهو في أساسه عبارة عن بيتين كبيرين تم ضمهما إلى بعضهما البعض في عصر لاحق لبنائهما حين امتلكهما الشيخ محمد القصبي شيخ الجامع الأحمدي بطنطا. فأصبحت مساحته تزيد عن ألفي متر مربع، وتتجاوز عدد قاعاته وغرفه الـ 150 وحدة. وكان البيت الجنوبي قد شيّده الشيخ "عبد الوهاب الطبلاوي" سنة 1648م، بينما شيد الحاج "إسماعيل بن شلبي" البيت الشمالي سنة 1796م.

وصف البيت

تنتمي عمارة البيت إلى مفردات العمارة الإسلامية في المنازل السكنية، وما تتطلبه من الفصل بين مجتمعي الرجال والنساء، وأنّ للبيت حرمة لا يجوز كشفها للغرباء، كما أن مشربيات القسم النسائي تحجب عن المارة في الشارع رؤية داخل البيت، بينما تسمح لمن بالداخل رؤية من بالخارج بشكل واضح.

يبدأ البيت بـ "مجاز"، وهو ممر منكسر يؤدي إلى الصحن المزين بأحواض الزرع والأشجار، وتفتح كلّ غرف البيت وحجراته على هذا الصحن. وللمجاز أهداف اجتماعية وبيئية، حيث لا يكشف صحن الدار وما بداخله أمام المارة، ثم عدم الحاجة إلى غلق الباب الذي يساعد في تهوية صحن البيت.
ينقسم البيت إلى ما يطلقون عليه (السلاملك) و(الحرملك)؛ فالأول يعني المكان المخصص لاستقبال الضيوف من الرجال، بينما الثاني هو المكان المخصص للنساء. وإذا علمنا أن البيت كان في أساسه عبارة عن بيتين فإنه يحتوي بالطبع على زوجين من السلاملك وزوجين من الحرملك.

إقرأ أيضاً:أميركا تعيد قطعاً أثرية مسروقة إلى مصر

فخامة السلاملك

يتكون القسم الأول في البيت من قاعة واسعة "السلاملك"، وتنقسم إلى إيوانين، والإيوان قاعة مسقوفة بثلاثة جدران فقط، تفصل بين الإيوانين "درقاعة" بمساحة منخفضة عن الإيوانين، والدرقاعة لفظة فارسية معربة وتعني ردهة التوزيع. رصفت أرضية الدرقاعة بالرخام الملون وزينت جدران القاعة بأبيات من بردة البوصيري، كما زين السقف بألواحٍ من الخشب المزخرف بالرسوم والنقوش النباتية الملونة.

فوق السلاملك توجد القاعة الصيفية، ويطلق عليها "المقعد"، وهي ذات واجهة مكشوفة نحو الشمال ومفتوحة على صحن البيت وحديقته.
قاعة السلاملك الثانية في بيت السحيمي أوسع مساحة وأكثر فخامة وجمالاً من حيث الزخرفة والتفاصيل المعمارية، حيث تتوسطها فسقية بديعة من الرخام على هيئة شمعدان ولها حوض من الرخام، كما تعلو سقف السلاملك الزخارف والنباتات.
تتوسط السقف قبة صغيرة بها فتحات لدخول الهواء والضوء تسمى "الشخشيخة"، وهي وحدة معمارية تضمن دخول الهواء المتجدد إلى القاعة، فالهواء الساخن يصعد لأعلى والبارد ينزل لأسفل، وتحتوي أغلب قاعات بيت السُّحيمي على شخاشيخ، وكلها مصنوعة من الخشب ومغطاة بالجصّ المطعم بالزجاج.

تحتوي القاعة أيضاً على السعفة، وهي عبارة عن رفّ من الرخام المحمول على أعمدة وعقد من الرخام المزخرف. وتزين جدران القاعة دواليب خشبية، وهي تصنع في دخلات البيت لحفظ الأشياء ولإضفاء شكل جمالي على الجدران.

تجاور هذه القاعة حجرة لقراءة القرآن، تحتوي على كرسي كبير مخصص للقراءة. ويزين السقف تنور، وهي وحدة إضاءة من النحاس تضاء بالفتيل والزيت، وكانت هي وسيلة الإضاءة القديمة.

خصوصية الحرملك

تمتاز الغرف والقاعات الخاصة بالحرملك بأنها غرف داخلية تطل بمشربيات على صحن البيت، وبأن النوافذ العلوية مغطاة بزجاج ملون معشق بالجص، وهي أكثر وأكبر من الموجودة في غرف وقاعات السلاملك، كما أنها أجمل ومتنوعة الزخارف، وتمتاز الغرف أيضاً بوجود بعض الصناديق الخشبية المطعمة بالصدف والعاج لحفظ الملابس، كما تحتوي على غرفة مميزة مكسوة الجدران بالقيشاني الأزرق المزخرف.

إقرأ أيضاً:مصر: حفريات غير شرعية تكشف معبداً جديداً لتحتمس

مفردات أخرى

قاعة الطعام "الشتوية" هي أول قاعة يجدها الزائر على يمينه بعد دخوله من الباب الرئيسي، وجدرانها مغطاه حتى المنتصف بالخشب، وأرضيتها بالرخام، وسقفها من الخشاب، وفي سقفها شخشيخة، وبجدرانها بعض الدواليب لحفظ الطعام أو مكوناته، ولها بابان أحدهما يفتح على الصحن بصورة غير مباشرة، والثاني على ممر يصله ببقية أجزاء المنزل.
يحتوي البيت أيضاً على حمام بخار، وهو غرفة ضيقة مكسوة بالرخام الأبيض، تحتوي على حوض من الرخام الأبيض المزخرف، ومكان مخصص لوضع خزان الماء، وموقد لتسخين وتبخير الماء. وللحمام سقف مقبب، وبه كوّات على شكل مربعات ودوائر مغطاة بالزجاج الملون لدخول الضوء.

في صحن البيت نرى ما يسمى "تختبوش" وهو لفظ فارسي يعني المكان المخصص لجلوس الرجال، وتوضع فيه دكة من الخشب المشغول. كما وجد في صحن البيت أيضاً شجرتان وارفتا الظلال أوراقهما خضراء وعمرهما أكثر من 350 سنة، الأولى شجرة زيتون، والثانية شجرة سدر (نبق).

بداخل البيت ثلاث آبار للمياه، وله فناء أمامي، أما الفناء الخلفي فيحتوي ترساً خشبياً لساقية كانت تستخدم لري الحديقة، وطاحونة للحبوب والغلال وبعض الصوامع الفخارية والحجرية.

مركز إبداعي

في سنة 2000، وبعد ترميمه وافتتاحه، صدر قرار بتحويل بيت السحيمي إلى مركز للإبداع الفني تابع لصندوق التنمية الثقافية، حيث فتح أبوابه للمعارض الفنية المتنوعة، كما يستضيف بيت السحيمي أضخم فرق التراث الشعبي والموسيقي، إضافة إلى تبنيه إحياء فني الأراجوز وخيال الظل.

إقرأ أيضاً: إحباط تهريب قطع آثار مصرية إلى الكويت
دلالات
المساهمون