01 أكتوبر 2022
بيان الإخوان.. رسالة إلى جنود الدعوة
في أحد اللقاءات التي كان يعقدها المجلس العسكري (في مصر)، خلال الفترة التالية لثورة يناير، سأل أحدهم اللواء عبدالفتاح السيسي، قائد المخابرات الحربية وقتها: لماذا توقفتم عن الاعتذار؟.. في إشارة إلى بيان "اعتذار ورصيدنا لديكم يسمح" الذي صدر يوم 26 فبراير/ شباط 2011، بعد أول اشتباك بين الشرطة العسكرية ومتظاهرين.
قال السيسي لصديقي إن الاعتذار كان له أثر إيجابي خارج الجيش، ولكن كان له أثر سلبي داخل الجيش.
هذا النمط من التفكير مفهوم، وربما مُتفهم، بالعقلية العسكرية، فالجنود لا يحق لهم توجيه الأسئلة للقيادة، بل ينفذون الأوامر فوراً، وفتح باب أدنى شك بأن القيادة يمكن أن تخطئ، وتعتذر أيضاً قد تكون له عواقب وخيمة، فما الذي يمنع بعدها أن يرفض بعض الجنود في أثناء الحرب أمراً يشكّون بصحته؟ المفارقة هنا أن من هذه العقلية نفسها بالضبط أتى بيان الإخوان المسلمين أخيرا، بدءاً من عنوانه "بيان حول التعرّض لسياسات الجماعة.."، ومروراً بأسلوبه الذي يتحدث عن أكبر الأحداث، كأنها شؤون إخوانية داخلية. بدأ باستعراض الخيارات السياسية التي اتخذها "الإخوان"، بدءاً من استفتاء مارس/ آذار 2011، ومروراً بالترشح للرئاسة، وحتى اليوم، وأكد أن كل القرارات كانت تنبع من مصلحة وطنية، ومن رؤية "ملمّة بالوضع الدولي والوطني من كل جوانبه".
كان البيان يرد على مقال الإعلامي أحمد منصور، الذي سرد شهاداتٍ توفرت له عن اتفاقاتٍ عقدها "الإخوان"، في فترة حكم المجلس العسكري، عبر جلسات ضمت السيسي مع كل من محمد مرسي، خيرت الشاطر، سعد الكتاتني. ولافت أن البيان لم ينفِ حدوث هذه الجلسات، لكنه أكد أن الجماعة لم ولن تعقد أي اتفاقات مع العسكر، مع تأكيد أن الإخوة المذكورة أسماؤهم في المقال "أداروا الأحداث بكفاءة أثبتتها نتائج التعامل معها"، وحقاً هذه العبارة مذهلة في إشارتها إلى النتائج الحالية بوصفها دليل كفاءة!
أثار البيان موجة غضب واسعة، لكن الحقيقة أنه ليس موجهاً إلى الرأي العام أصلاً، بل هو موجه حصرياً إلى "جنود الدعوة"، للقواعد الأشد ولاءً، ولهذا اهتم بالرد هذه المرة، فقط لأن الكاتب والموقع لا يمكن اتهامهما بالعلمانية والانقلابية ونحو ذلك. ولهذا شمل البيان أيضاً مصطلحاتٍ داخلية، مثل تأكيده أن كل القرارات تمت بناء على مؤسسات الجماعة الملتزمة بـ"الشورى الملزمة".
لقد قرّرت جماعة الإخوان (والمعني الجسد الرئيسي لها أي "القيادة القديمة") استراتيجيتها بالفعل، وهي الانكفاء على لملمة التنظيم الداخلي، حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً. يعرف القريبون من دوائر الجماعة داخل مصر وخارجها أن ما يحدث اليوم محاولات صامتة لجمع بقايا التنظيم حول نفسه، تنقية الصفوف ممن قد يدينون بالولاء لـ "القيادة الجديدة"، والتي لم تكن أفضل من الأولى في خياراتها الكارثية.
انسحبت الجماعة من أي عمل جاد ضد النظام المصري حالياً. يقيمون في تركيا مدرسة وجامعة ويدرسون المناهج القديمة، وتنشأ غيتوهات صغيرة في الداخل والخارج، تنتج جيلاً جديداً مطلوب أن تكون لديه سردية داخلية مغلقة، تنتظر في سكون. ولأن الأولوية أصبحت داخلية بحتة، فلم يعد أحد معنياً بالادعاء حتى أن لدينا مراجعات، ولن نعلنها، كما صرح أمين عام الجماعة، محمود حسين، سابقا. اليوم أصبح الخطاب أن مراجعتنا انتهت إلى صحة كل مواقفنا!
وبالطبع، من المنطقي توجيه اللوم الحاد إلى أطراف سياسية أخرى، ودعوتها إلى المراجعة أيضاً، ومنها من قدم بالفعل مراجعات نظرية أو عملية، ومنها من لم يفعل. وفي المقابل، كيف يستقيم أن يتبرأ تماما من ملك يوماً الرئاسة والبرلمان والحكومة ولجنة الدستور.
الاهتمام بـ"شؤون الجماعة" ليس دساً لأنوف السياسيين بما لا يعنيهم، بل لأن هذا الكيان السياسي الأكبر في مصر أثر بماضينا وحاضرنا جميعاً، وسيبقى، بدرجة ما، مؤثراً في مستقبلنا. لذلك من المؤسف أن تجارب السنوات لم تزده إلا تصلباً فكرياً وسياسياً.
هذا النمط من التفكير مفهوم، وربما مُتفهم، بالعقلية العسكرية، فالجنود لا يحق لهم توجيه الأسئلة للقيادة، بل ينفذون الأوامر فوراً، وفتح باب أدنى شك بأن القيادة يمكن أن تخطئ، وتعتذر أيضاً قد تكون له عواقب وخيمة، فما الذي يمنع بعدها أن يرفض بعض الجنود في أثناء الحرب أمراً يشكّون بصحته؟ المفارقة هنا أن من هذه العقلية نفسها بالضبط أتى بيان الإخوان المسلمين أخيرا، بدءاً من عنوانه "بيان حول التعرّض لسياسات الجماعة.."، ومروراً بأسلوبه الذي يتحدث عن أكبر الأحداث، كأنها شؤون إخوانية داخلية. بدأ باستعراض الخيارات السياسية التي اتخذها "الإخوان"، بدءاً من استفتاء مارس/ آذار 2011، ومروراً بالترشح للرئاسة، وحتى اليوم، وأكد أن كل القرارات كانت تنبع من مصلحة وطنية، ومن رؤية "ملمّة بالوضع الدولي والوطني من كل جوانبه".
كان البيان يرد على مقال الإعلامي أحمد منصور، الذي سرد شهاداتٍ توفرت له عن اتفاقاتٍ عقدها "الإخوان"، في فترة حكم المجلس العسكري، عبر جلسات ضمت السيسي مع كل من محمد مرسي، خيرت الشاطر، سعد الكتاتني. ولافت أن البيان لم ينفِ حدوث هذه الجلسات، لكنه أكد أن الجماعة لم ولن تعقد أي اتفاقات مع العسكر، مع تأكيد أن الإخوة المذكورة أسماؤهم في المقال "أداروا الأحداث بكفاءة أثبتتها نتائج التعامل معها"، وحقاً هذه العبارة مذهلة في إشارتها إلى النتائج الحالية بوصفها دليل كفاءة!
أثار البيان موجة غضب واسعة، لكن الحقيقة أنه ليس موجهاً إلى الرأي العام أصلاً، بل هو موجه حصرياً إلى "جنود الدعوة"، للقواعد الأشد ولاءً، ولهذا اهتم بالرد هذه المرة، فقط لأن الكاتب والموقع لا يمكن اتهامهما بالعلمانية والانقلابية ونحو ذلك. ولهذا شمل البيان أيضاً مصطلحاتٍ داخلية، مثل تأكيده أن كل القرارات تمت بناء على مؤسسات الجماعة الملتزمة بـ"الشورى الملزمة".
لقد قرّرت جماعة الإخوان (والمعني الجسد الرئيسي لها أي "القيادة القديمة") استراتيجيتها بالفعل، وهي الانكفاء على لملمة التنظيم الداخلي، حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً. يعرف القريبون من دوائر الجماعة داخل مصر وخارجها أن ما يحدث اليوم محاولات صامتة لجمع بقايا التنظيم حول نفسه، تنقية الصفوف ممن قد يدينون بالولاء لـ "القيادة الجديدة"، والتي لم تكن أفضل من الأولى في خياراتها الكارثية.
انسحبت الجماعة من أي عمل جاد ضد النظام المصري حالياً. يقيمون في تركيا مدرسة وجامعة ويدرسون المناهج القديمة، وتنشأ غيتوهات صغيرة في الداخل والخارج، تنتج جيلاً جديداً مطلوب أن تكون لديه سردية داخلية مغلقة، تنتظر في سكون. ولأن الأولوية أصبحت داخلية بحتة، فلم يعد أحد معنياً بالادعاء حتى أن لدينا مراجعات، ولن نعلنها، كما صرح أمين عام الجماعة، محمود حسين، سابقا. اليوم أصبح الخطاب أن مراجعتنا انتهت إلى صحة كل مواقفنا!
وبالطبع، من المنطقي توجيه اللوم الحاد إلى أطراف سياسية أخرى، ودعوتها إلى المراجعة أيضاً، ومنها من قدم بالفعل مراجعات نظرية أو عملية، ومنها من لم يفعل. وفي المقابل، كيف يستقيم أن يتبرأ تماما من ملك يوماً الرئاسة والبرلمان والحكومة ولجنة الدستور.
الاهتمام بـ"شؤون الجماعة" ليس دساً لأنوف السياسيين بما لا يعنيهم، بل لأن هذا الكيان السياسي الأكبر في مصر أثر بماضينا وحاضرنا جميعاً، وسيبقى، بدرجة ما، مؤثراً في مستقبلنا. لذلك من المؤسف أن تجارب السنوات لم تزده إلا تصلباً فكرياً وسياسياً.