منذ استقرّ الإغريق القدماء في إيطاليا، خلال القرن الثامن قبل الميلاد، تجذب المنطقة المحيطة بجبل فيزوف وخليج نابولي المصطافين من الأثرياء الذين كانوا يرغبون في التمتع بأشعة الشمس والمناظر الطبيعية الخلابة بالمكان. ومع بداية القرن الأول الميلادي، أصبحت مدينة بومبي الواقعة على بعد خمسة أميال فقط من الجبل، منتجعاً مزدهراً للمواطنين الأكثر تميزاً في روما، عاصمة الإمبراطوريّة الرومانيّة.
اصطفّت المنازل الأنيقة والفيلات الفخمة حول الشوارع المعبّدة بالحجر المنحوت. وكانت المدينة تعجّ بالزوار والسكان والعبيد في مساحة محدودة، إذ إنّ أكثر من عشرين ألف شخص يعيشون في المدينة. يتوزّعون في أسواقها ومحالها التجاريّة والمصانع الصغيرة وورش الحرفيين والحمامات وبيوت اللهو والمشارب، وساحة المصارعة الشهيرة في الدولة الرومانية حيث يتصارع الأسرى والعبيد مع الحيوانات المفترسة وضد بعضهم بعضا رغبةً في حرية موعودة للفائزين. وكانت ساحة المصارعة، أو المدرج الروماني، تتسع لعشرين ألف متفرج. كما كان المدرج يمتلئ عادة أثناء احتفالات الفيناليا الذي يواكب موسم حصاد وعصر العنب لصنع النبيذ.
وكان مهرجان الفيناليا يقام في موسم الحصاد تكريما للمشتري والزهرة، الكوكبين المعبودين في الدولة الرومانية القديمة، وقد صوروهما على هيئة بشر ضخام الأجسام مفتولي العضلات. وكان المهرجان الريفي يقام سنوياً في 19 أغسطس/ آب، ويرافقه أيضاً الاحتفال بالخصوبة ونمو الخضروات وكروم العنب المخصصة للإلهة فينوس إلهة الخصوبة. وفي عام 79 بعد الميلاد وأثناء تجمع السكان والزوار في الهواء الطلق والساحات والمدرج للاحتفال بالفيناليا، انفجر بركان فيزوف ليدفن المدينة ويقضي على كل من فيها وما حولها.
فيزوف هو جبل بركاني بالقرب من خليج نابولي. وعبر مئات الآلاف من السنين انفجرت ثوراته أكثر من خمسين مرة، ولكن أكثرها شهرة ذلك الذي حرق بومبي. دفن البركان المدينة الرومانية العامرة تحت غطاء سميك من الرماد البركاني.
وكتب أحد المؤرخين عن شهودٍ عاينوا الفاجعة من بعيد أن "الركام انسكب على الأرض مثل الفيضان وغطى المدينة بظلام دامس حالك. دفنت المدينة تحت ملايين الأطنان من الرماد البركاني، واندفعت الحمم بسرعة 100 ميل في الساعة ساقطة من ارتفاع عال، وانتشرت الغازات السامة، والصخور المسحوقة والمحمصة من اللهب انسكبت من الجبل وابتلعت الجميع في طريقها. كانت الانبعاثات البركانية عالية في السماء ويمكن رؤيتها من على بعد مئات الأميال. توفي الآلاف على الفور ولم يتبق منهم سوى بعض الجثث المتحجرة على ما ماتت عليه".
وفي عام 1748 اكتشفت مجموعة من الباحثين المدينة وفوجئت بأنها سليمة في غالبها. وقد خلّف الموتُ وراءه المباني والتحف والهياكل العظمية مدفونة في المدينة. يقول العلماء إن حفريات بومبي لعبت دوراً رئيسياً في النهضة الكلاسيكية في القرن الثامن عشر. وعرضت المقتنيات الفنية والتحف التي انتشلت من بين الأنقاض من فنون ذلك العصر، في منازل وقصور الأثرياء الإيطاليين والمعارض العصرية في القرن الـ18. كما ساهمت رسومات مباني المدينة في تشكيل الاتجاهات المعمارية في ذلك العصر القريب.
ورغم المزاج السيئ للبركان عبر التاريخ، فإن أحداً لا يستطيع تفسير الإقبال على المكان، والمستمر حتى اليوم، ورغم الزلازل الكثيرة والتحذيرات من الكوارث المحتملة في أي لحظة، فإن التدفق على شواطئ خليج نابولي يزداد ازدحاماً في هذه البقعة المشمسة الممتعة.