على عكس المفاوضات التي احتضنها قصر المؤتمرات بمدينة الصخيرات المغربية وانتهت بالتوقيع على الاتفاق السياسي في 17 ديسمبر/كانون الأول 2015؛ اختار المغرب فندق "فيشي" بمدينة بوزنيقة الواقعة على بعد 50 كيلومتراً من العاصمة الرباط، من أجل احتضان أولى جلسات المشاورات بين وفدين يمثلان المجلس الأعلى للدولة الليبي وبرلمان طبرق، اليوم الأحد، بهدف الوصول إلى تسوية سياسية بدأت ملامحها منذ إعلان وقف إطلاق النار في بيانين لكل من رئيس حكومة الوفاق فايز السراج ورئيس برلمان طبرق عقيلة صالح، برعاية الأمم المتحدة، اليوم الأحد.
المكان الذي اختارته الدبلوماسية المغربية لاحتضان جلسات المشاورات بين الفرقاء الليبيين ليس وليد الصدفة. بل إنه يعكس منذ الآن الشكل والروح اللذين تريد الرباط إعطاءهما لهذه الجولة من المشاورات.
فبعد أشهر على إقصائه من المشاركة في مؤتمر برلين، الذي عقد في 19 يناير/كانون الثاني الماضي، ومحاولات إقليمية قادتها الجزائر ومصر لتخطي اتفاق الصخيرات وإنهائه، اختارت الرباط هذه المرة مدينة بوزنيقة لبعث رسائل إلى من يهمه الأمر، مفادها أن الاتفاق السياسي يبقى المرجعية الأساسية لأي حل سياسي في ليبيا.
التحرك الدبلوماسي المغربي الجديد بعد الإقصاء من مؤتمر برلين، من شأنه تمكين الرباط من تجاوز محاولات تحجيم دورها إقليمياً
وفيما يبدو أن التحرك الذي قادته الدبلوماسية المغربية بعد محطة مؤتمر برلين، قد مكّن الرباط من تجاوز عثرة إقصائها ومحاولات تحجيم دورها إقليمياً؛ فإن اختيار مدينة بوزنيقة القريبة من الصخيرات، وهي المكان الأم للاتفاق السياسي، يبعث إشارة الى أن الحل قريب من الصخيرات، وأنه لا يمكن الوصول إلى مدينة بوزنيقة إلا عن طريق المرور من أمام قصر المؤتمرات بالصخيرات، الذي كان قد احتضن منذ مطلع 2015 جولات متتالية من مفاوضات السلام بين الفرقاء الليبيين تحت رعاية أممية، وذلك بحثاً عن تسوية سياسية للأزمة الليبية.
مدينة بوزنيقة شاطئية وتتميز بموقعها المتوسط بين عاصمتي المملكة الإدارية والاقتصادية، الرباط والدار البيضاء، وعُرفت بهدوئها وبتوفرها على منتجعات سياحية. وبفضل هذه الميزات ظلت لسنوات طوال قبلة للتنظيمات السياسية والحقوقية والمدنية المغربية الراغبة في عقد مؤتمراتها وأنشطتها على امتداد فصول السنة.
وفي السنوات الأخيرة، اشتهرت المدينة بوقوع حادثين هزا الساحة السياسية المغربية، الأول وفاة البرلماني والقيادي في حزب الاتحادي الاشتراكي للقوات الشعبية، أحمد الزايدي، في 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2014، جراء غمر المياه لسيارته بمنطقة واد الشراط ببوزنيقة.
والحادث الثاني الذي تمثّل بوفاة الوزير المغربي عبد الله باها، كاتم أسرار رئيس الحكومة السابق عبد الإله بنكيران، في 8 ديسمبر/كانون الأول 2014، بعد أن صدمه "قطار لم يره حين كان يعبر الطريق"، حين ترجّل من سيارته، بحسب ما ذكره بيان رسمي آنذاك.
وإن كانت شهرة مدينة الصخيرات في ليبيا قد بلغت ما لم تبلغه أية مدينة أخرى احتضنت طيلة السنوات الماضية مفاوضات بين أطراف الأزمة؛ فإن مدينة بوزنيقة قد يكون لها حظ من تلك الشهرة إن تمكن الفرقاء الليبيون من جعلها محطة للإطلاق الفعلي لمسارات حل أزمة دخلت عامها التاسع، بالاتفاق على كيفية تقاسم السلطة، المحرك الرئيس للصراع، من خلال إعادة تشكيل المجلس الرئاسي وتوحيد الحكومة.