بورصة الأوراق المالية: أزمة ثقة أم سيولة؟

03 اغسطس 2015
التضارب في نقل الأخبار يزعزع ثقة المستثمرين (Getty)
+ الخط -
تأثرت بورصات الأوراق المالية وأسواق رأس المال عالمياً بأحداث مختلفة بعضها كان له وقع إيجابي على نفسيات المستثمرين الذين قرروا أن يرفعوا من مستوى تداولاتهم لتعزز مكاسب الأسواق التي يتعاملون بها، فيما أثّرت أحداث أخرى سلبية على مستوى التداولات، الأمر الذي أدى لموجات بيع بمستويات متفاوتة، حيث بلغت بعض تلك الموجات حد الهلع.

ومن خلال التعاطي الإعلامي لأي حدث، فإن الاستشعار به يكون بحجم ذلك التعاطي من خلال مدى مصداقية نقل الخبر والمهنية الإعلامية على حساب السبق الإعلامي الذي قد يعطي أبعاداً خطيرة في كثير من الأحداث. حيث ترتبط الثقة بمستوى المصداقية للجهة الإعلامية، أو ناقل الخبر الرئيسي، وهو ما يؤثر بمستوى معين على ثقة المتلقين في الجانب العام، والمستثمرين المضاربين في الجانب الخاص.

وهذا ما يؤدي في كثير من الأحيان، إلى اتساع رقعة زعزعة الثقة بالسوق المالية من خلال تضارب كبير في نقل الأخبار أو التسريب الذي قد يؤدي إلى تغيير القرارات التي اتخذت على نحو مغاير. كما تضطر الشركات للإفصاح الفوري عن أي أحداث فورية خوفاً من الأحداث المؤثرة جوهرياً في مسار نشاط وعوائد الشركات.

اقرأ أيضا: تفاعل أسواق المال مع التحديات

ولذلك نجد أن الكثير من التشريعات تولي لعملية الشفافية والإفصاح والحوكمة أهمية كبيرة، بحيث تكون العقوبات كبيرة على من يخالف الإفصاح في الوقت الصحيح، وذلك ليعطي هذا التشريع أثراً مباشراً في تعزيز الثقة التي ترعاها الدولة لمرآتها العاكسة لاقتصادها، بل وقد يصل موضوع تعزيز الثقة وآثاره إلى خارج إطار البورصة ليبلغ التعامل التجاري البيني ما بين الدول.

على مر التاريخ، تسببت العديد من الشركات في انهيار أسواق المال، كونها قامت بالإفصاح الغير حقيقي أو التأخر في الإفصاح لأحداث ذات بعد جوهري لها، ليتجاوز الأمر عملية الثقة ما بين المتداولين وتلك السوق المدرجة بها الشركة، ولعل من أشهر تلك الأمثلة ما حدث في السوق الأميركية لشركة "أنرون" التي كانت قد تلاعب مجلس إدارتها وبالتعاون مع شركة التدقيق الخارجي في البيانات المالية، وأدى ذلك الأمر في حينه إلى تراجع كبير لمؤشر السوق المالية بل وحتى تجاوز ذلك ليبلغ مستوى الشك بشركات أخرى وخاصة تلك التي تعتمد في عمليات التدقيق المحاسبي والمراجعة الخارجية على ذات الشركة.

اقرأ أيضا: الأسواق تشهد التحولات الضخمة

ونستطيع أن نقول إن مستوى الثقة هنا واتجاهها يؤدي إلى زيادة أو تراجع السيولة الموجهة إلى السوق المالية التي تتعزز بها مستويات الاستثمار من واقع قوة ومتانة الثقة، وهذا بطبيعة الحال ما يتولّد عند انتقال الأموال الساخنة أو استثمارات لمضاربين في الغالب أجانب أو حتى محليين، ويكون غرض استثمارهم من الجانب الزمني محدداً أو يكون أصل الاستثمار برغبة البيع والحصول على أرباح من خلال تغيير أسعار الأسهم أو السندات أو الصكوك أو العقود والمشتقات أو غيرها في السوق المالية.

لعله من أبرز نتائج الأزمات المالية الانعكاس على مستوى الثقة، التي يجب أن تكون متبادلة ما بين المستثمر وأدواته الاستثمارية المتاحة، وهي عادة ما تكون برعاية الدولة التي يجب أن تضمن إجراءات التعاملات وسهولة انتقال الملكية والحرية المالية والإدارية للملاك، وفق الطرق الديمقراطية. وهذا في الغالب ما تتمتع به دول الخليج التي لديها مرونة وسهولة كبيرة في نقل الأموال، ما يعطيها جانباً كبيراً في حفظ الحقوق التي هي من بديهيات الثقة المطلوبة في التعاملات المالية، وإن كانت هناك تعثرات أو "عسرة مالية" إلا أنها تبقى في طليعة الدول التي تحافظ على الحقوق.

كما تتمتع الدول الخليجية بمستوى مرتفع من السيولة التي مكّنتها من أن تصبح من أهم المناطق الجاذبة لعمليات التمويل والاستثمار سواء المحلية أو الدولية، وبفضل تلك الملاءة الكبيرة من السيولة النقدية أصبحت البورصات الخليجية من أبرز البورصات على مستوى الدول الناشئة أو التي تسعى لتطوير أدواتها المالية.

اقرأ أيضا: غسل الأموال وتمويل الإرهاب عبر البورصات

ولعل أحد أهم تلك الأسباب هو عدم وجود البدائل الكثيرة في الاستثمار إلى جانب الأوراق المالية والعقار، ففي الغالب تستحوذ الدولة على معظم الصناعات الرئيسية في قطاع النفط باستثناء مشاركة محدودة بأنشطة بتروكيماوية أو تلك التي تحتاجها العمليات اللوجستية في استخراج النفط.

نستطيع أن نستنج من ذلك، أن الأسواق المالية العربية تتفاوت أزماتها المتلاحقة ما بين أزمة الثقة التي تمر بها كافة أسواق الخليج أو أزمة سيولة حادة للدول العربية الأخرى التي لديها بالأساس مستويات ثقة ضعيفة خاصة في التجارة والاستثمار البيني العربي، نظراً لعدم وجود التأكيدات والمصداقية في إعادة الأموال وخروجها من بعض تلك الدول، والتي باتت اليوم بأمسّ الحاجة لتعزيز مستوى مرونة الاستثمار البيني العربي والدولي حتى تستطيع توفير التمويل اللازم للمشاريع الكبرى.
(خبير مالي كويتي)
المساهمون