يعتبر فريق بورتو حالة خاصة جداً في كرة القدم الحديثة، بعد تحول اللعبة إلى ما يشبه الغابة، اليد العليا فيها لمَن يدفع أكثر، وبالتالي تغيّرت خريطة المستديرة في السنوات الأخيرة، مع ظهور أباطرة جدد وخفوت نجم عمالقة احتلوا الملاعب بالطول والعرض خلال حقب زمنية ماضية، بسبب توغّل العملات داخل أعمق تفاصيل كرة القدم، وخطف المال الأضواء من الجميع.
المعادلة الصعبة
نجحت أندية قليلة جداً في الجمع بين طرفي المعادلة، وتحقيق أكبر قدر ممكن من الثبات الفني والمالي، بالمزج بين المال والبطولات في قالب واحد، وتنين الدراغاو زعيم هذا الاتجاه، بعد أن حقق بورتو بطولات عديدة في السنوات الأخيرة، مع تحقيقه أرباحاً قياسية حصيلة بيع أبرز نجومه إلى فرق القارة العجوز الكبيرة، ليصبح النادي البرتغالي حالة خاصة تمثل النجاح المضاعف في كرة القدم.
فاز بورتو بأكثر من 24 بطولة في أقل من 13 عاماً، من بين هذه البطولات دوري أبطال أوروبا في 2004 مع مورينيو، والدوري الأوروبي في 2009 مع فيلاس بواش، بالإضافة إلى كم هائل من الألقاب المحلية، رغم أن النادي يبيع كل عام أفضل لاعبيه بأسعار قياسية، وكان آخرهم البرازيلي دانيلو، الظهير الأيمن المنتقل إلى ريال مدريد الإسباني.
ومع بيع دانيلو إلى الملكي، سيُكمل تنين الدراغاو مبلغاً قياسياً يصل إلى قرابة 500 مليون يورو نظير بيع 16 لاعباً منذ عام 2004. وأدخل الرئيس بينتو دا كوستا هذه السياسة إلى البرتغال، عقب التتويج بدوري أبطال أوروبا مع جوزيه، إذ باع كلاً من كارفاليو وفيريرا إلى تشيلسي، بالإضافة إلى ديكو الذي لعب لصالح برشلونة.
أرقام مرعبة
استمرت السياسة في التوغل والانتشار، ليتم بيع أندرسون إلى مانشستر يونايتد، وبيبي إلى ريال مدريد، وفي العام التالي منح ريكاردو كواريزما إلى إنتر ميلان، وجوزيه بوسينغوا إلى تشيلسي. ثم ليساندرو لوبيز إلى ليون الفرنسي، وتبعه مواطنه لوتشو غونزاليز إلى مارسيليا، قبل أن يحط برونو ألفيش الرحال في الدوري الروسي الممتاز.
ولم يتوقف الفريق البرتغالي أبداً عن عاداته ليبيع الثنائي هالك وفالكاو، نجوم بطولة الدوري الأوروبي رفقة بواش، واستكمل العملاق البرتغالي مبيعاته القياسية بصفقة جيمس رودريغز وغواو موتينيو إلى موناكو، قبل أن ينتقل أوتاميندي إلى فالنسيا. ولم يتوقف النادي عند هذا الحد، واستمر في تسويق لاعبيه في مختلف دوريات أوروبا.
وبلغت حصيلة البيع مبالغ وصلت إلى 465 مليون يورو، قبل أن يتم الإعلان الرسمي عن رحيل دانيلو إلى الريال. لكن كل هذه الأموال لا تذهب مباشرة إلى خزينة بورتو، لأن هناك شركاء آخرين للنادي في ما يعرف بسياسة "ملكية الطرف الثالث" في كرة القدم.
الطرف الثالث
تعني ملكية الطرف الثالث وجود حماية خاصة على اللاعب من قبل طرف إضافي، يختلف عن اللاعب نفسه أو ناديه، بمعنى دخول وكيل أعمال اللاعبين أو شركات التسويق الرياضي في المعادلة بين اللاعب والفريق، أثناء عملية بيع وشراء النجوم في الميركاتو. وبالتالي فكرة حصول بورتو على إجمالي مبلغ نصف مليار يورو من حصيلة البيع أمر أبعد ما يكون عن الصواب، بسبب وجود أطراف أخرى لها نصيب من خيوط اللعبة.
وأبسط مثال على ذلك صفقة بيع فالكاو لأتليتكو مدريد، إذ إن بورتو امتلك نسبة 45% من حقوق اللاعب، وبالتالي حصل النادي على هذه القيمة فقط عند رحيل النمر الكولومبي، لأن التنين البرتغالي يفضل التعامل المستمر مع وكلاء اللاعبين، وعلى رأسهم أقوى رجال اللعبة، جورجي مينديز، الرجل الذي يتعامل مع أغلب نجوم المستديرة في كل بقاع المعمورة، ويحترمه مسؤولو بورتو كثيراً، لأنهم يعرفون أن هذا الشخص وأمثاله هم القادرون فقط على تعويض النادي بأسماء أخرى مغمورة إعلامياً وقوية فنياً، خصوصاً مع تفشي غول الكرة الحديثة.
يُدرك القائمون على النواحي الرياضية في البرتغال أن تعويض النجم بنجم آخر أمر في غاية الصعوبة، لذلك يفضلون دائماً الاستعانة بكشافي المواهب، للحصول على أسماء كروية مميزة بأقل تكاليف مالية ممكنة، وحتى تدور اللعبة بشكل أفضل، وتجنباً لخسائر كبيرة، فإن كل جانب يتحمل جزءاً ما من الصفقة، النادي والوكيل أو الشركة وأخيراً اللاعب، وفي حالة الخسارة فإن الهامش سيكون قليلاً، أما في حالة النجاح فإن الربح سيصل إلى الجميع، فنياً وتسويقياً وبكل تأكيد مالياً.
سر الخلطة
يتحدث أنطونيو هنريكي، المدير العام لفريق بورتو في حوار قديم عام 2012، حول أسرار النجاح التي ينتهجها زعيم الدراغاو، وكيفية الوصول إلى أفضل صيغة ممكنة تساعد النادي على تحقيق البطولات، مع الحفاظ على الجانب المالي المنتعش، ويؤكد أن السر يكمن في قدرات "السكاوت" أو في ما يُعرف بالعين الخبيرة في اللعبة؛ كشافو كرة القدم.
"يتوقف نجاح بورتو على ثلاثة افتراضات: التوظيف والتطوير والإنتاج"، عن طريق الاتصال بالكشافة وتنمية قدرات التدريب لكل الناشئين ولاعبي الفريق الأول. لأن بورتو يعتمد بشكل كلي على جلب الأسماء الصغيرة، والتي تحتاج إلى تأهيل مضاعف واهتمام غير عادي، حتى يتحول هذا اللاعب الجيد إلى نجم مميز، يستطيع الحصول على بطولة من أجل بيعه إلى فريق أكبر يلعب تحت ضغط أعلى.
يعمل بورتو مع 250 كشافاً في دول العالم المهتمة بكرة القدم فقط، لأن النادي يعتمد على سياسة الترشيد في الأساس، بمعنى أنه لن يرسل مثلاً كشافاً إلى بنغلاديش أو أي بلد لا يحب اللعبة، ويضع النادي عدة مستويات من الرقابة، حتى يتم تجهيز اللاعب بشكل كلي، بأقل تكاليف ممكنة وبأكبر جودة تكتيكية متاحة، هكذا يتم صناعة الأبطال في الدراغاو.
المنافسة القوية
لم يفز بورتو بآخر نسختين من الدوري البرتغالي، ورغم تقديمه لنسخة ممتازة في عصبة الأبطال، إلا أنه خرج أمام بايرن ميونخ بنتيجة كبيرة للغاية في الأليانز أرينا. ويستمر الفريق في تحقيق المكاسب الاقتصادية مؤخراً، لكنه ترك زعامة اللعبة إلى غريمه ومنافسه اللدود بنفيكا، النادي الذي يسيطر بشكل شبه كلي على الأجواء المحلية البرتغالية في آخر عامين.
أسباب كثيرة آلت إلى تفوق الصقور، خصوصاً أن بنفيكا لا يبيع نجومه بشكل مضاعف مثل بورتو، كذلك اهتمام إداريو نادي لشبونة بتحقيق البطولات، بعد فترة طويلة من الغياب الكامل بعيداً عن منصات التتويج، لذلك تتفوق تشكيلة بنفيكا بضمها عناصر الخبرة مقارنة بشبان بورتو، والأسماء الكبيرة تصنع الفارق في بطولات الدوري طويلة الأجل.
فنياً، يُغيّر بورتو هيكل الفريق كل عام، يبيع ترسانة من النجوم ويعوضها بمجموعة أخرى، بالتالي فكرة "التناغم" غائبة بعض الشيء، خصوصاً مع وجود مدير فني جديد كالإسباني لوبيتيجي، لذلك كان أمراً طبيعياً أن يخسر بورتو الدوري لصالح منافسه، لكن إذا استمر المدير الفني الشاب وحافظ على نجاعة تكتيكه، فإن عودة التنين للألقاب ستكون فقط مسألة وقت، والمستقبل هو الحكم في النهاية.