بوتين يقسّم واشنطن... ومخاوف من انقلاب ترامب على النظام

24 يوليو 2018
يصر ترامب على التقارب مع بوتين (Getty)
+ الخط -
يبدو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وكأنه "يحتل" واشنطن هذه الأيام، فهو يشغلها كما لم يفعل أي زعيم روسي من قبل، فسيرته تتصدر واجهة المشهد السياسي، في ظل حضوره المفضل لدى نظيره الأميركي دونالد ترامب، ما يؤجج الصراع الداخلي في الولايات المتحدة. ومع إصرار البيت الأبيض على التقارب مع بوتين، يحتدم الجدل ويتعمّق الانقسام بين الرئيس الأميركي وباقي أطراف النخب السياسية والفكرية والإعلامية في بلاده، ولو بدرجات مختلفة. حتى أن هذا الجدل يُبعد العديد من أركان إدارته منه، ومنهم من بات قريباً من الاستقالة. وبذلك تتوسع الهوة إلى حدّ يتعذر ردمها بين مؤيدي التقارب بين ترامب ونظيره الروسي، وبين رافضي ذلك، مع إصرار كل طرف على إسقاط الآخر.

ويتمسك ترامب باستراتيجية الهجوم ضد خصومه، على الرغم من تراجعه الملتبس عن وقوفه في قمة هلسنكي إلى جانب بوتين ضد المؤسسة الاستخباراتية الأميركية، واضطراره المتأخر لرفض الطلب الروسي للتحقيق مع دبلوماسيين أميركيين. ويستند ترامب في ذلك إلى قاعدة محافِظة صلبة تقارب ثلث الجسم الانتخابي، ما زالت ملتفة حوله على الرغم من كل ما حصل. فبحسب آخر استطلاع للرأي نُشر في وسائل إعلام أميركية، يدعم 37 في المائة أداءه في هلسنكي. هذه الكتلة تُرغم الكثيرين من الجمهوريين في الكونغرس، خصوصاً عشية انتخابات الكونغرس، على السكوت عن هفواته، أو المسارعة إلى محاولة تجميلها.

وفي إصرار على توجهاته، وجّه الرئيس الأميركي دعوة إلى بوتين لزيارة واشنطن في الخريف المقبل، حتى قبل أن تنتهي عاصفة الردود على "سقطة" هلسنكي، وعلى الرغم من معرفته أن العاصمة الأميركية إجمالاً لا تكنّ للرئيس الروسي غير النفور والعداء. هذه الزيارة إذا حصلت ستكون محرجة ومتفجرة، فمن المستبعد أن يدعوه الكونغرس كما دعا الرئيس الروسي الراحل بوريس يلتسين لإلقاء خطاب أمام مجلسيه. لكن ذلك لم يدفع ترامب لإعادة النظر في دعوته لبوتين، وهو ما يشكّل دليلاً آخر على تجاوزه نقطة اللاعودة في "عزمه على إعادة صياغة السياسة الخارجية"، كما يقول باتريك بيوكانن، أحد أبرز منظّري السياسة الأميركية، وبالتحديد فك تحالفات واشنطن الدولية والتخلي عن دورها العالمي.


هذا التوجّه يقلق الطبقة السياسية التقليدية، خصوصاً خصوم ترامب، الذين يحذرون من عواقب انقلابه الذي "يطيح قيادة أميركا ومنافعها من النظام الذي عملت على إقامته منذ أواخر أربعينيات القرن الماضي". وهو انقلاب لا يستبعد وزير الخارجية السابق هنري كيسنجر أن يحصل على يد ترامب "الذي قد يصبح واحداً من الوجوه التاريخية التي تنهي حقبة من غير أن تدري أو من غير أن يكون لديها البديل". لذلك، يخشى الوزير السابق، الذي خرج عن صمته بعد قمة هلسنكي، من العواقب، منذراً بأن "العالم يمر الآن في فترة خطيرة جداً". يشاركه في خشيته كثيرون ومن كافة الاتجاهات، ومن بينهم وزير الخارجية السابق جون كيري وغيره من المسؤولين السابقين الذين يتحدثون بلغة التنبيه من مخاطر الوقت الحاضر الذي وضعه أحدهم في خانة "حالة الطوارئ".

حتى أن أحد نواب الكونغرس مضى في التعبير عن مخاوفه إلى حد القول إن "رئيسنا في يد بوتين". فبعد خلوة هلسنكي والكتمان حول ما دار فيها، ازدادت الشكوك حول وجود "ممسَك ما" على الرئيس الأميركي بحوزة الكرملين. وتصرفات البيت الأبيض تعزز مثل هذا الظن. مثال على ذلك أن بوتين عرف بدعوته لزيارة واشنطن قبل أن يدري بها مسؤولون كبار في فريق ترامب للأمن القومي، مثل دان كوتس، مدير الاستخبارات الوطنية التي تشكل القبة الجامعة لكافة وكالات وأجهزة الاستخبارات الأميركية. ومن المفروض أن يجري التداول مع كوتس بشأن الزيارة قبل الإعلان عنها، لكن ليس في هذا الزمن، الذي تبدو فيه واشنطن في ورطة روسية متفاقمة، إذ تتعامل مع موسكو بلسانين، فالبيت الأبيض متمسك بضرورة التفاهم مع الكرملين تحت شعار الحاجة إلى تحسين العلاقات معه، بينما الآخرون في الكونغرس والإدارة، يكتفون بالاعتراض أو القبول على مضض.

في هلسنكي لامس ترامب الخط الأحمر، قبل أن يجبره حراس المؤسسة الأميركية على التراجع ولو اللفظي. لكنه بقي مصراً على خطه تجاه موسكو والتصادم مع خصومه، ليصبح الآتي محكوماً بهذا النهج طالما هناك تحقيقات مستمرة في قضية التدخّل الروسي في الانتخابات الأميركية التي أوصلت ترامب إلى البيت الأبيض.