بوتفليقة يُهرّب الدستور الجديد إلى البرلمان

05 مارس 2015
حاول بوتفليقة استيعاب المعارضة (فاروق باطيش/فرانس برس)
+ الخط -
اتخذت مسودة الدستور الجزائري الجديد أبعاداً جديدة مع إعلان مسؤول جزائري رفيع المستوى أن "الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، سيطرح مسودة تعديل الدستور للتصويت في البرلمان، بدلاً من عرضها على استفتاء شعبي"، كما وعد في خطابات سابقة.

ويعتبر مراقبون أن "التوتر الاجتماعي وتصاعد الاحتجاجات في عدد من المدن الجزائرية، على خلفية ملف الغاز الصخري أو ملفات اجتماعية ومهنية أخرى، قد يكون السبب وراء توجه بوتفليقة نحو خيار طرح المسودة على البرلمان، خشية ارتفاع نسبة المقاطعة للاستفتاء، أو تحوّل هذا الاستحقاق إلى لحظة توتّر سياسي وشعبي، يزيد من المأزق السياسي والشعبي، الذي تواجهه السلطة في الفترة الأخيرة".

وقال رئيس مجلس الأمة، عبد القادر بن صالح، في كلمة خلال افتتاح الدورة التشريعية، إنه "ربما سيسجل التاريخ للبرلمان شرف تحديد الموقف من مضمون الدستور، الذي تشير كافة المؤشرات إلى أن موعده ليس بالبعيد".

وفي السياق، كشف رئيس الغرفة السفلى للبرلمان، محمد العربي ولد خليفة، في تصريح صحافي، أنه "لم نتلقّ لحدّ الآن إشارات من الحكومة في هذا الاتجاه، غير أنني أرجح أن يمر تعديل الدستور على البرلمان بغرفتيه (المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة)، كما حدث مع التعديل الدستوري الأخير في 2008".

وبرأي الخبيرة الدستورية، فتيحة بن عبو، فإن "طرح الدستور للتصويت أمام البرلمان يعني بالتأكيد أن التعديلات الدستورية ليست جوهرية، ولا تمسّ التوازنات الكبرى للعلاقات بين مؤسسات الدولة والصلاحيات المخوّلة لكل سلطة من السلطات والمؤسسات الرسمية التنفيذية والتشريعية والقضائية". وتشير بن عبو، في حديثها لـ"العربي الجديد"، إلى أن "الدستور يوجب طرح أي تعديل دستوري للاستفتاء، إذا كان الأمر يتعلق بتعديلات جوهرية تخل بالتوازنات القائمة".

اقرأ أيضاً: نقل الرئيس الجزائري إلى فرنسا للعلاج

وبالعودة إلى مسار مسودة الدستور، فقد برزت الفكرة للمرة الأولى في 15 أبريل/نيسان 2011، حين أبدى بوتفليقة في غمرة الحراك الثوري العربي، عزمه على إجراء إصلاحات سياسية شاملة، تبدأ بمراجعة القوانين المنظمة للدولة، كقانون الانتخابات، وقانون الأحزاب السياسية، وقانون المجتمع المدني، وقانون الإعلام، وقانون المحافظات، على أن يتم بعدها طرح تعديل دستوري شامل، يأخذ بعين الاعتبار هذه الإصلاحات والتطورات الهيكلية العميقة، التي طرأت على تركيبة المجتمع الجزائري والبنية السياسية للدولة.

لكن أكثر من ظرف دفع بوتفليقة إلى تأخير طرح مسودة الدستور، ليس أقلّها التوترات الاجتماعية والسياسية، التي حصلت في الجزائر خلال السنوات الثلاث الأخيرة، وأبرزها الوعكة الصحية التي ألمّت بالرئيس في أبريل/نيسان 2013، ثم الانتخابات الرئاسية التي جرت في أبريل/نيسان 2014.

دفعت التأجيلات المتكررة لطرح الدستور وتناسيه أحياناً، قوى المعارضة إلى التشكيك في صدقية السلطات وجدّيتها. وسعى بوتفليقة أكثر من مرة إلى تبديد شكوك ومخاوف أحزاب المعارضة والقوى المدنية، وكان آخرها في 30 سبتمبر/أيلول الماضي، حين جدد التزامه بطرح مسودة تعديل الدستور قبل منتصف السنة الحالية. وقال إنه "يتضمن تكريس الحريات واستقلال القضاء وحق المعارضة السياسية".

وأعلن بوتفليقة في حينه أن "طرح مسودة الدستور الجديد يستهدف استكمال برنامج إصلاح الدولة والمؤسسات، لتحقيق دولة العدالة والحق والقانون والمواطنة، وخلق جو أمثل لتكريس الحريات وترقية المرأة وتطوير التعددية السياسية".

وأشار إلى أن "مشروع تعديل الدستور يهدف إلى استقلالية القضاء وحماية الحريات وتعزيز الفصل بين السلطات، ودور البرلمان ومكانة المعارضة، وتعزيز قواعد الديمقراطية والتعددية الفتية". كما قدّم بوتفليقة مغريات سياسية للمعارضة، حين كشف عن تضمّن الدستور الجديد حماية حق المعارضة في الاعتراض، وقال إنه "يضبط قواعد التنافس والاعتراض السياسي دائماً مع حماية الأمة من الفوضى والانحرافات".

ورد بالتالي على شكوك المعارضة حول إمكانية إقدامه على إجراء تعديل دستوري يخدم مصالح السلطة فقط. وتعهّد بأن "مشروع مراجعة الدستور الذي سأقترحه طبقاً لصلاحياتي الدستورية، لن يكون في خدمة سلطة أو نظام ما، بل سيكون دستوراً يهدف إلى تعزيز الحريات والديمقراطية التي ضحّى من أجلها شهداء ثورة التحرير".

ويصرّ بوتفليقة وأحزاب السلطة على وصف الدستور الجديد، بأنه "دستور توافقي"، واعتبار أن صياغته خضعت لتوافقات ومشاورات سياسية موسعة مع 150 طرفاً من الأحزاب والنقابات والتنظيمات المدنية والشخصيات المستقلة، في مايو/أيار الماضي، من أجل جمع مقترحات حول تعديله. كما قاد رئيس ديوان رئاسة الجمهورية أحمد أويحيى، الجولة الثانية من مشاورات تعديل الدستور في يونيو/حزيران الماضي، لتعزيز ثوابت الشعب والجمهورية، لكن أحزاب المعارضة وعدداً من الشخصيات قاطعت هذه المشاورات.

اقرأ أيضاً: مرض بوتفليقة يربك السلطات الجزائريّة

المساهمون