11 نوفمبر 2024
بهجة السينما في غزّة
لم يكن كافيا أن وزارة الثقافة الفلسطينية هي إحدى الجهات الداعمة لمهرجان السجّادة الحمراء السينمائي في غزّة، وأن منظمي المهرجان الذي ساهمت في تمويله مؤسسة عبد الحميد القطان حصلوا على ترخيصٍ منها لإقامته، فقد كان لازما ترخيصٌ أهم، من الأجهزة الأمنية التابعة لحركة حماس، لإقامة هذه التظاهرة في دورتها الخامسة، والتي تُختتم غدا الأربعاء، بعد أن استمرّت أسبوعا. ولمّا تراجع أحد الشركاء عن تهيئة صالة السينما الوحيدة المهجورة في غزّة لعرض فيلم الافتتاح (فيلم إيرلندي عن غزّة)، كان مبتكرا عرضُ الفيلم في الشارع، بعد تثبيت شاشةٍ بيضاء عريضةٍ على أعمدةٍ معدنية، ليتقاطر نحو ثلائمائة شخص لمشاهدته، بينهم أسر كاملة. وفي البال أن عرض فيلم افتتاح الدورة الأولى للمهرجان في عام 2014 تمّ على أنقاضٍ مهدّمةٍ في حي الشجاعية الذي دمّره عدوانٌ إسرائيلي. وليس في الوسع هنا غير أن يغبط واحدُنا الناشطين الفنانين الفلسطينيين من أهل القطاع المحاصر على مثابرتهم في انتظام هذا المهرجان الذي أحرز اعترافا دوليا، ويتّخذ من حقوق الإنسان موضوعتَه الأساسية، ويُرسل حزمةً من الرسائل إلى العالم عن حب أهل غزة الحياة والفن، وسعادتهم بالفرح والبهجة. وإنْ لا يغيب عن البال أن قطاع غزة يخلو من أي صالة سينما، ليس للانحسار العريض عن ارتياد السينما، ولا لشيوع ثقافة الفيديو في زمن الإنترنت واللابتوب، وإنما أيضا وأيضا لأن آخر دار سينما أعيد افتتاحها وتأهيلها في عام 1994 أحرقها متشدّدون إسلاميون. أما دار السينما التي تم افتتاح المهرجان خارج مبناها في الشارع، فمغلقةٌ ومهجورةٌ منذ أزيد من عشرين عاما، ويبدو أن حذرا ظاهرا وراء التردّد في إعادة تأهيلها.
سيكون كلاما لا جِدّة فيه، ونافلا، لو تكرّر هنا، عن فلسطين التي على أرضها ما يستحق الحياة، وعن شعبها الذي يقاوم، ويتعلّم، ويزرع، ويصنع، ويرسم، ويغنّي، ويكتب القصيدة والرواية والقصة والمسرحية، وتقيم مؤسساتٌ رسميةٌ وأهليةٌ في كل مدنه مهرجاناتٍ في كل ألوان الفنون والإبداعات، في الرقص والمسرح والسينما والغناء والموسيقى، وتنتظم فيها ملتقياتٌ أدبية وثقافية ومعارض للكتب. هذا كله معلوم، تنشط فيه نخبٌ فلسطينيةٌ واسعة، وفي كل هذه التظاهرات والمناسبات، في تأكيد وحدة فلسطين، وتعزيز ثقافة مقاومة المحتل وروايته المصنوعة، وفي مخاطبة العالم عن شعبٍ له أرضُه، وله قضيته التي تنهض على الحق والعدالة. ويجهر منتجو الآداب والفنون من أصحابها بقيم الحرية والجمال والإنسانية في منحوتاتهم وأفلامهم وسرودهم وأغنياتهم. وفيما تتعدّد المناسبات السينمائية في غير مدينة فلسطينية، في مواسم منتظمةٍ غالبا، تبقى لمهرجان السجّادة الحمراء في غزّة (تتوزّع عروضُه أيضا في الضفة الغربية والقدس) قيمةٌ مضافة، وأهميةٌ مضاعفة، سيما وأنه ينتظم دوريا منذ خمس سنوات، ذلك أن الإقبال الواسع على مشاهدة عروضه، بحسب الصور الوافدة منه، والتقارير الإخبارية المتتالية عنه، يدلّ على أن البيئة العامة التي ينعقد بين ظهرانيها ليست بتلك الصورة النمطية والمسبقة التي قد تكون في الأذهان والأفهام. كما أن تلقّي المهرجان نحو ثلاثمائة فيلم يطلب منتجوها ومخرجوها ومعدّوها المشاركة، ثم انتقاء اللجنة المشرفة 45 فيلما، أمرٌ يشهد على أن عملا راقيا يتم هناك. وجاء حسنا من المتحدّث باسم المهرجان، سعود أبو رمضان، إيضاحُه أن تجاوب الجمهور مع أنشطة المهرجان جعلتهم حريصين على نوعية العروض، بانتقاء الأفلام بعنايةٍ شديدة، وضمن معايير محدّدة، "لأننا نعتبر الشعب الفلسطيني ذواقا للفن، ويستطيع التمييز بين الجيد وعكسه".
تقول شابّةٌ فلسطينيةٌ غزّية، مبتهجةٌ بالمناسبة، إن فكرة إحياء السينما في قطاع غزّة غريبةٌ عن أهله، وظلت سنواتٍ طويلةً خارج آمالهم وطموحاتهم.. ولأن الأمر كذلك، ومع الانتصار لمقولة الجمال التي ينحاز إليها ناسُ مهرجان السجّادة الحمراء في غزّة، جيدٌ من أجهزة "حماس" الأمنية أنها أذنت للمهرجان أن ينعقد، وجيدٌ أكثر لو تعرف أن هذا ليس من مهماتها أصلا.
تقول شابّةٌ فلسطينيةٌ غزّية، مبتهجةٌ بالمناسبة، إن فكرة إحياء السينما في قطاع غزّة غريبةٌ عن أهله، وظلت سنواتٍ طويلةً خارج آمالهم وطموحاتهم.. ولأن الأمر كذلك، ومع الانتصار لمقولة الجمال التي ينحاز إليها ناسُ مهرجان السجّادة الحمراء في غزّة، جيدٌ من أجهزة "حماس" الأمنية أنها أذنت للمهرجان أن ينعقد، وجيدٌ أكثر لو تعرف أن هذا ليس من مهماتها أصلا.