بن سلمان بين منظورين

09 ابريل 2018
+ الخط -
التقيت صديقاً سعودياً، أثق بنزاهته وأعرف طول عمله، إن لم أقل نضاله، في سبيل الحريات الثقافية والاجتماعية في بلاده. قال لي كلاماً مختلفاً عن محمد بن سلمان، الملك الفعلي للسعودية، عن الكلام الذي نكتبه نحن، ورؤية مخلتفة عن رؤيتنا، نحن الذين نهتم بالشأن العربي العام.
قال: تعال نتكلم بصراحة.
- قلت: تفضل.
- ماذا تعرف، وغيرك، ممن تقيمون في بلدان عربية بعيدة عنا.
- ما نقرأه في الصحف وما نراه في الإعلام.
- هذا لا يكفي. بل قد يكون أبعد ما يكون عن الحقيقة.
- هل تعيشون في بلد داخل بلد آخر؟
- ماذا تعني؟
- بلد للرجال وبلد آخر للنساء في كل مرفق أو شأن تقريبا؟
كلا.
هل تسافرون إلى بلد آخر لمشاهدة فيلم أو حضور حفلة موسيقية؟
كلا.
ـ هل تساقون إلى الصلاة بالعصا؟
كلا.
ـ هل تمنع النساء عندكم من سياقة سيارة، ولا يسافرن إلا بموافقة ولي أمر؟
كلا.

***
قلت للصديق السعودي: فهمتك. ويمكنك، والحال، إضافة أشياء أخرى إلى القائمة: في بلادنا بارات وملاه ليلية ونستطيع أن نشرب الكحول، وأن نذهب مع صديقاتنا إلى الحدائق والمقاهي، وربما في وسعنا أن نحضن بعضنا بعضاً. كل هذا مفهوم. وهو، في نظري، ليس قليل الأهمية، باعتبار ذلك حرية شخصية، لا ينبغي للدولة وهيئاتها الرقابية، أن تضع لها مسطرة مفروضة من فوق. تغيرات المجتمع تبدأ بإطلاق طاقات الناس، الشبان خصوصا، وفتح نوافذ البلاد على هواء العالم. وليس بعيداً عن الواقع أن الحريات تبدأ شخصيةً وتنتهي بالشأن العام، وأنك إن فتحت نافذة عليك أن تفتح نافذة أخرى. هذه عملية اجتماعية تجر حلقاتها بعضها بعضاً، وتشكل قوة دفعٍ يصعب تمديدها على سرير بروكرست، وضبطها على مقاسه. ثم قلت له: ولكن، ماذا عن تدهور الحياة الاقتصادية، والتخلي عن القطاع العام وزج الناس في السجون لأدنى شبهة، أو بتهمة "الفساد" في غياب أشكال القانون المتعارف عليها؟ قال: سيعتاد الناس على العمل، وليس الاعتماد على الدولة وسيوقفون هدر الموارد. وهذه مقدمة لطي صفحة الدولة الريعية، والانتقال إلى مشاركة المواطنين في إنتاج الريع. فالبترول لن يبقى إلى الأبد، وحتى هذا صار أقل أهمية مما كان عليه في ظل تسارع بدائل الطاقة.
قلت له: هذا جيد. ولكن ما يجري ليس كذلك. فلم تضرب "رؤوس الفساد" من أجل بدء حياة اقتصادية خالية منه. ما حصل مجرد استيلاء على جزءٍ من أموال بعض الفاسدين، فيما الفساد، كحالة، لم يصبح جرماً يحاسب عليه القانون، فحسب معرفتي، لا يتركز الفساد في شخص، أو بضعة أشخاص، بل يعشّش في مناح مختلفة من الحياة الاقتصادية والإدارية في بلادكم. لقد كان قاعدة "السوق"، ولا يبدو لي، مما أطالع، أن "موجة" محاربة الفساد جرفت "الحالة"، بقدر ما طاولت رموزاً هناك كثيرون غيرهم لم تطاولهم. وهذا بحسب بعد هؤلاء عن سيد البلاد الجديد أو قربهم منه. لكن مشكلتنا، نحن الذين نهتم بالشأن العربي العام (ومنه السعودية نفسها) ليس في إجراءته السياسية والاقتصادية في داخل السعودية، بل أيضاً في خارجها. فلا أظنك تخالفني الرأي أن ما قام به بن سلمان لتوطيد أركان حكمه ترافق مع تغيرات درامية في المواقف السعودية حيال قضايا وشؤون عربية شتى، منها حصار بلد عربي شقيق، وتقديم هدايا مجانية لأميركا وإسرائيل في خصوص القضية الفلسطينية لا يحق له أن يقدمها.
قال لي صديقي السعودي: كنت أعرف أنك ستصل إلى هذا الموضوع. أجبته: ظنك في محله. ولكن على عكس ما تتوقع، لن أطلب من محمد بن سلمان أن يدعم القضية الفلسطينية، ولا أن يوظف مقدارت بلاده في ردع إسرائيل عن إجرامها اليومي في حق الفلسطينيين. كلا. كل ما هو مطلوب منه ألا يتصرف بما لا يملك. فليس من حقه المشاركة في "صفقة القرن" على حساب المعني أولاً بالقضية الفلسطينية: الفلسطينيون. انس العرب، ولكن ليس من حقه، مطلقاً، التبرع بـ "حل" ينهي نضال شعب في سبيل حريته وتحرير أرضه، نحو قرن، مقابل لا شيء. إن لم يستطع فعل ما من شأنه استعادة فلسطين، فليس من حقه أن يحشد إمكانات بلاده وشعبه، لشطبها، من التاريخ والجغرافيا، وتقديمها على طبقٍ من ذهب لترامب ونتنياهو. هذا أمر لا يخصه. فلسطين وأهلها ليسا مسحوقاً تجميلياً لتلميع وجهه. ليسا ولن يكونا.
E7B23353-660D-472F-8CF3-11E46785FF04
أمجد ناصر

شاعر وكاتب وصحفي من الأردن