16 نوفمبر 2024
بني موريس خروفاً خائفاً
تتوحش إسرائيل أكثر فأكثر، لا شيء تستخدمه سوى السلاح ضد كل ما تشتبه به خطرا قائما، أو مفترضا، أو محتملا، صغيرا أو كبيرا أو ضئيلا. هي قويةٌ جدا، مدعومةٌ بلا حدود من الولايات المتحدة. والعرب، ومنهم الفلسطينيون، ضعيفون، دولُهم وكياناتُهم مريضة. تضرب إسرائيل في سورية في أي وقتٍ تشاء، وكلها ثقةٌ بأنها لن تلقى ردّا. تجتاح بيروت ذات صيف، تطرد المقاومين الفلسطينيين منها إلى شواطئ في تونس وصحارى في الجزائر وغيرها. تورّد صواريخ متطوّرة تشارك في تصنيعها إلى الصين والهند. تقصف في العراق مفاعلا نوويا قيد الإنشاء. وتمتد يدُها الطولى إلى خليل الوزير في منزله في تونس وأحمد المبحوح في فندق في دبي. تقترف جرائم حربٍ كلما أرادت، في خان يونس ومخيم جنين وقانا وبحر البقر. تقتل 60 فلسطينيا غزّيا في ظهيرة يومٍ واحد، عند سياجٍ من الأسلاك والرمل، ولا أحد يُعاقبها. تنهب الأرض في فلسطين استيطانا ومصادرةً وتهدم البيوت، وتزاول هذا كله وغيره من دون اكتراثٍ بقرارات الأمم المتحدة وجمعيتها العامة.
ما الذي يجعل إسرائيل تمضي أكثر وأكثر إلى العدوانية المتوحشة، إلى التطرّف اليميني، إلى ازدراء كل مبادرة سلام، والاستخفاف بأي مفاوضات؟ هل يمكن الزعم إنه الخوف المُستحكم فيها، يجعلها مرتعشةً من مجهولٍ مقبل، غير معلوم التفاصيل، مقلقٍ، بل يبعث على الذعر؟ كتب بعضُنا، إبّان زفّة ما بعد "أوسلو"، أن ما يجعل إسرائيل غير مقدامةٍ نحو تسويةٍ للصراع مع الفلسطينيين، وغير مهيأةٍ للسلام العادل والشامل معهم، هو أنها تخاف من هذا النوع من السلام.. هل هذا صحيح؟ ما الذي بالضبط يخيف إسرائيل؟ هل تعتقد عقولٌ استراتيجيةٌ فيها أن العرب سينهضون، وسينتشلون أنفسهم من القيعان التي يقيمون فيها؟ هل هي أقدار التاريخ وجولاتُه ودوراتُه تصيب كيانا لقيطا قام على الغزو والحرب والاستيطان بالجزع؟
لا يدّعي صاحب هذه الكلمات قدرةً على الإجابة، لكن المؤرّخ الإسرائيلي، بني موريس، يعلن، في مقابلةٍ صحافيةٍ معه نشرت، أخيرا، أن إسرائيل ستنتهي في غضون ثلاثين إلى خمسين عاما، وسيصبح اليهود "أقليةً ملاحقةً أو مذبوحةً أو مضطهدةً" في بحر عربي كبير من الفلسطينيين الذين لا يمكنهم إلا أن ينتصروا على إسرائيل. يقول هذا الكلام، في معرض إجاباته على أسئلةٍ، كشف فيها عن مزيدٍ من تفشّي اليمينيّة فيه، وهو السبعيني المستجد الذي كان في شبابه يُحسَب على اليسار الصهيوني، واشتهر واحدا من "المؤرّخين الجدد" في إسرائيل، ثم صار يأنفُ من ضمّه إليهم، كما ردّ على الصحافي الذي حاوره واعتبرَه "خروفا أسود" بين بعض هؤلاء، سيما منهم من كانوا واضحين، لمّا أكّدوا مسؤولية العصابات الصهيونية عن طرد فلسطينيين كثيرين، وعن مذابح جرت لهم، عند إقامة دولة إسرائيل في عام النكبة 1948. لا يُسلّم بني موريس، صاحب كتاب "مشكلة اللاجئين الفلسطينيين" الذي نشر في 1988، بهذا، ويلحّ على أن قادة العرب هم من أمروا برحيل الفلسطينيين، ولم تكن ثمّة خطة يهودية لذلك.
ولم يكن كلامٌ عن زوال إسرائيل، يقوله باحثٌ معنيٌّ بالماضي (مؤرخ!)، يستشرف فيه مستقبلا مزعجا، ليمرّ من دون جدلٍ في صحافة الدولة العبرية. وفي الوسع أن يُكتَب هنا إن فائضا من حرية التعبير تعرفه دولة العدو، يمكّن مثقفا نشطا من أن يقول كلاما شديد الحساسية كهذا (وإن قاله وكتبه غيره)، وإن هذه الدولة المطمئنة إلى تفوقها العسكري الكاسح لا يخدِشُها خوض ناسٍ من نخبتها في أمرٍ يتعلق بانتهائها، بعد ثلاثة عقود أو خمسة. يُردُّ على بني موريس في "هآرتس" وغيرها، غير أن جندي الاحتياط القديم الذي رأى في الانتفاضة الفلسطينية الثانية محاولةً لإسقاط إسرائيل لا يكترث إلا بما كتبه "الحمائمي"، جدعون ليفي، ويُساجله، مصرّا على اقتناعه بأن "حل الدولتين" غير ممكن التنفيذ. غير أن الجوهري، في مساجلته هذه، كما في مقابلته المثيرة، هو فزُعه من المشكلة الديمغرافية التي ستجعل "الدولة الواحدة" ستتبلور أخيرا. ولكن، في النهاية، بحكم عربيٍّ مع أقليةٍ يهوديةٍ آخذة في التناقص.
تُرى، ما الذي يمكن قوله بشأن دولةٍ يخاف "مؤرّخٌ" بارزٌ فيها، خروفٌ أسودُ بين زملائه، من زوالها؟
لا يدّعي صاحب هذه الكلمات قدرةً على الإجابة، لكن المؤرّخ الإسرائيلي، بني موريس، يعلن، في مقابلةٍ صحافيةٍ معه نشرت، أخيرا، أن إسرائيل ستنتهي في غضون ثلاثين إلى خمسين عاما، وسيصبح اليهود "أقليةً ملاحقةً أو مذبوحةً أو مضطهدةً" في بحر عربي كبير من الفلسطينيين الذين لا يمكنهم إلا أن ينتصروا على إسرائيل. يقول هذا الكلام، في معرض إجاباته على أسئلةٍ، كشف فيها عن مزيدٍ من تفشّي اليمينيّة فيه، وهو السبعيني المستجد الذي كان في شبابه يُحسَب على اليسار الصهيوني، واشتهر واحدا من "المؤرّخين الجدد" في إسرائيل، ثم صار يأنفُ من ضمّه إليهم، كما ردّ على الصحافي الذي حاوره واعتبرَه "خروفا أسود" بين بعض هؤلاء، سيما منهم من كانوا واضحين، لمّا أكّدوا مسؤولية العصابات الصهيونية عن طرد فلسطينيين كثيرين، وعن مذابح جرت لهم، عند إقامة دولة إسرائيل في عام النكبة 1948. لا يُسلّم بني موريس، صاحب كتاب "مشكلة اللاجئين الفلسطينيين" الذي نشر في 1988، بهذا، ويلحّ على أن قادة العرب هم من أمروا برحيل الفلسطينيين، ولم تكن ثمّة خطة يهودية لذلك.
ولم يكن كلامٌ عن زوال إسرائيل، يقوله باحثٌ معنيٌّ بالماضي (مؤرخ!)، يستشرف فيه مستقبلا مزعجا، ليمرّ من دون جدلٍ في صحافة الدولة العبرية. وفي الوسع أن يُكتَب هنا إن فائضا من حرية التعبير تعرفه دولة العدو، يمكّن مثقفا نشطا من أن يقول كلاما شديد الحساسية كهذا (وإن قاله وكتبه غيره)، وإن هذه الدولة المطمئنة إلى تفوقها العسكري الكاسح لا يخدِشُها خوض ناسٍ من نخبتها في أمرٍ يتعلق بانتهائها، بعد ثلاثة عقود أو خمسة. يُردُّ على بني موريس في "هآرتس" وغيرها، غير أن جندي الاحتياط القديم الذي رأى في الانتفاضة الفلسطينية الثانية محاولةً لإسقاط إسرائيل لا يكترث إلا بما كتبه "الحمائمي"، جدعون ليفي، ويُساجله، مصرّا على اقتناعه بأن "حل الدولتين" غير ممكن التنفيذ. غير أن الجوهري، في مساجلته هذه، كما في مقابلته المثيرة، هو فزُعه من المشكلة الديمغرافية التي ستجعل "الدولة الواحدة" ستتبلور أخيرا. ولكن، في النهاية، بحكم عربيٍّ مع أقليةٍ يهوديةٍ آخذة في التناقص.
تُرى، ما الذي يمكن قوله بشأن دولةٍ يخاف "مؤرّخٌ" بارزٌ فيها، خروفٌ أسودُ بين زملائه، من زوالها؟