بنوك وعقارات دبي... أقصر الطرق لغسل الأموال

12 يوليو 2017
اتهامات بغسل أموال في عقارات دبي (Getty)
+ الخط -

نظرة إلى تاريخ المصارف في الإمارات وحاضرها، خصوصاً في ما يتعلق بعمليات غسل وتبييض الأموال القذرة والجرائم المالية، تقلب الصورة تماماً، لتظهر أن هذه الدولة هشة مصرفياً، وتغوص في أزمة كبرى مرتبطة بهذا الملف، ولا تزال مستمرة حتى يومنا هذا، لا بل إن جزءا لا يستهان به من موجودات النظام المصرفي الإماراتي مرتبط بعمليات غير مشروعة، مثل غسل أموال ناجمة عن تجارة مخدرات وأسلحة، حسب متابعين للملف. 

ويعدد تقرير نشره موقع "ذا كليفر" في مايو/أيار الماضي، الأسباب التي تجعل من دبي إمارة تعاني من الفساد.
ويشرح التقرير أن معظم البلدان لديها حدود لمقدار العملة الصعبة التي يمكن أن تجلبها إلى البلدان، وذلك في إطار مكافحة غسل الأموال، إلا أن الأمور تختلف في دبي.

ويلفت التقرير إلى أنه في عام 2009، دخل نائب الرئيس الأفغاني أحمد ضياء مسعود إلى دبي بمبلغ 52 مليون دولار نقداً. وقد تتبعه المسؤولون الأميركيون الذين اعتقدوا أن هذا أمر غريب قليلاً. ومع ذلك، لم تسأل سلطات دبي من أين تأتي الأموال، وفق التقرير. 


إلا أن الأمور لا تتوقف عند هذا الحد، والأخبار والتقارير التي تطاول العمليات غير المشروعة في الجهاز المصرفي وكذا العقاري الإماراتي كثيرة.

تقرير الخارجية الأميركية

يشير التقرير الأخير الصادر عن الخارجية الأميركية في مارس/آذار 2017، إلى تصنيف الإمارات العربية المتحدة من بين "البلدان الرئيسية في مجال غسل الأموال"، وشرح التقرير أن هذا التصنيف يطاول أي بلد "مؤسساته المالية تنخرط في معاملات نقدية تنطوي على مبالغ كبيرة من العائدات المتأتية من الاتجار الدولي بالمخدرات"، والإمارات هي البلد الخليجي الوحيد الذي دخل ضمن هذا التصنيف.

ويقول التقرير: "العديد من الطبقة التجارية الإيرانية التقليدية لها صلات بمركز الحوالة الإقليمي في دبي. ويقيم ما يقدر بـ 400 ألف إيراني في الإمارات العربية المتحدة مع ما يصل إلى 50 ألف شركة تملكها إيران.

ووفقاً لتقارير وسائل الإعلام، استثمر الإيرانيون مليارات الدولارات في رأس المال بدولة الإمارات العربية المتحدة، وخاصة في العقارات في دبي".

ويضيف: "يرتبط جزء من نشاط غسل الأموال في دولة الإمارات العربية المتحدة على الأرجح بعائدات غير قانونية من المخدرات المنتجة في جنوب غرب آسيا. ونقاط الضعف الأخرى لغسل الأموال في دولة الإمارات العربية المتحدة تشمل القطاع العقاري، وإساءة استخدام تجارة الذهب والماس الدولية".

الجانب المظلم من دبي

تحت عنوان "الجانب المظلم من دبي"، نشرت صحيفة "ذا غارديان" في 2010، تقريراً مطولاً عن عمليات تبييض الأموال في دبي. 

ويشرح التقرير أن ريش كومار جين، وهو المليونير الهندي الذي يشتبه في كونه أحد أكبر غاسلي الأموال في العالم، قبض عليه في مدينة دلهي الهندية بعد دفعه كفالة في دبي، التي كانت مقر معظم إمبراطوريته الواسعة، واتهم بنقل مئات الملايين من الدولارات لتجار المخدرات. 

وأفادت الأنباء، وفق الصحيفة، أن جاين اعترف للشرطة الهندية أنه قام بغسل الأموال، ولكنه ينكر تورطه في تجارة المخدرات.



غير أن المحققين يعتقدون أن أعماله تستند إلى مبالغ ضخمة من الأموال النقدية التي نشأت في أفريقيا، ونقلها إليه مهربو الماس وتجار المخدرات، وأن معظم هذه التدفقات النقدية غير المشروعة نقلت إلى دبي. "لكن الادعاءات ضده لا تجعله فريداً في الإمارة"، يقول الدكتور كريستوفر دافيدسون، خبير الاقتصاد الخليجي بجامعة دورهام: "كان اعتقال جاين حادثاً مهماً، لكن العديد من الرجال المطلوبين يقيمون في دبي".

بالنسبة للكثيرين، جين هو مثال يثبت أن دولة الإمارات العربية المتحدة ليست مغمورة بالثروة النفطية، ولكنها مبنية على النقد والسيولة المالية غير المشروعة، وفق "ذا غادريان"، وهي المكان الذي تقوم فيه المافيا الروسية وكارتلات المخدرات بتنظيف نقودها القذرة وتمول القاعدة الفظائع الإرهابية. 

وقال السفير الأميركي في افغانستان أنطوني واين، وفق "ذا غادريان"، إنه يتم تهريب 10 ملايين دولار يومياً من كابول إلى دبي في حقائب صغيرة، معظمها من تجارة الهيروين الأفغانية التي ازدهرت منذ الغزو الأميركي.

وحسب بيانات واين، فإن تحقيقاً أميركياً اكتشف أنه تم تهريب 190 مليون دولار نقداً في 18 يوما فقط.


وبالإضافة إلى ذلك، تملك عقارات دبي سمعة سيئة كواجهة لغسل الأموال، حيث يتم شراء الشقق من قبل كيانات غير معروفة لا تعيش فيها، ويقول دافيدسون في جامعة دورهام للصحيفة البريطانية: "بعد أحداث 11 سبتمبر، كانت هناك حملة ضد الفساد، لكنهم حريصون على عدم الحديث عن غسل الأموال، لأنها جزء من شريان الحياة".

يقول الممولون الأجانب في الإمارات، بحسب "ذا غادريان"، إن القواعد الجديدة لمكافحة تبييض الأموال، لم يكن لها أي تأثير ملموس: "لا يزال الروس يأتون بحقائب نقدية لشراء شقق لا يعيشون فيها أبدا". من السهل الحصول على تصاريح إقامة، هذا النوع من القصص منتشر، روسيا هي المصدر الأكبر، وخاصة المافيا".

أموال أفغانستان

من جهة أخرى، كشفت برقية من السفارة الأميركية في كابول، سربها موقع ويكيليكس، ونشرتها العديد من المواقع ووسائل الإعلام العربية، عن تورط مساعدين للرئيس الأفغاني حامد كرزاي ومسؤولين كبار من الحكومة الأفغانية في عمليات تهريب أموال من مطار كابول إلى إمارة دبي.

وبحسب البرقية المؤرخة في 2009 فإن 190 مليون دولار هُرّبت من كابول إلى دبي، مضيفة أنه يُعتقد أن المبالغ المهربة أكبر بكثير مما هو معلن.

ووفقا لما أوردته البرقية فإن الحكومة الإماراتية أعلنت أنها، في إطار مكافحة المخدرات وغسل المال، منعت مسعود من الدخول وبحوزته 52 مليون دولار بداية عام 2009، من دون تحديد مصدر وغاية المبلغ. 

وتشير الوثائق أن رئيس بنك كابول شير خان فرنود يمتلك 39 عقاراً في جزيرة النخلة بالجميرة في دبي.

وتقول البرقية إنه سجل عام 2006 نقل 600 مليون دولار، و100 مليون يورو، و80 مليون جنيه إسترليني، إلى دبي، في حين سحب من البنوك الأفغانية في 2009 مبلغ 600 مليون دولار، رجع منها إلى النظام المصرفي 200 مليون دولار.

وتشير البرقية إلى أن الأموال التي تنقل من أفغانستان بعضها شرعي وبعضها غير شرعي، مصدره تجارة المخدرات والفساد الحكومي.

وخلال التحقيقات التي جرت في فضيحة بنك كابول (حيث تم نهب أكثر من 900 مليون دولار من الأموال المغسولة خلال انهيار البنك)، وجد المحققون أن أكثر من 230 مليون دولار من الأموال النقدية كانت مخبأة في دبي، وفق تقرير نشرته "رويترز". ومع ذلك، رفضت سلطات دبي التعاون، مما دفعهم إلى وصف الإمارة بأنها "ثقب أسود من التعاون الدولي".

تبييض أموال من إيران

ويقول مكتب دوهايمس الكندي للمحاماة، والمتخصص في مكافحة تبييض الأموال، على موقعه الإلكتروني، إن الحكومة الفيدرالية الأميركية قدمت في نهاية العام الماضي، لائحة اتهام ضد مواطن أجنبي، كينيث تسونغ، بتهمة غسل الأموال لأكثر من مليار دولار من إيران عبر كندا والولايات المتحدة وعدد من الدول الأخرى بينها دبي.

ووفقا لقرار الاتهام الاتحادي، كانت الأموال المغسولة توضع في العقارات في ألاسكا وتستخدم لشراء المركبات الفاخرة، بما في ذلك سيارات بورش وبنتلي.

ووفق مكتب المحاماة فإن "زونغ وضع مخططا لنقل الأموال من دبي، ذلك أن الإيرانيين ينقلون الأموال من إيران إلى دبي من دون عائق، ومن هناك إلى كوريا ثم إلى عدة بلدان، بما في ذلك الولايات المتحدة وكندا".

وبغية جعل المخطط يبدو مشروعاً، يزعم أن زونغ كان يعمل في مجال غسل الأموال على أساس تجاري، مما أدى إلى إنشاء فواتير مزورة لشراء الرخام من الشرق الأوسط. وأنه دفع 17 مليون دولار لغسل مبلغ مليار دولار على مدى عدة سنوات. 

ملايين من نيجيريا

في عام 2016، خرجت وثائق إلى النور، وفق تقرير "ذا كليفر"، تقول إن الجنرال توكور يوسف بوراتاي، رئيس أركان الجيش النيجيري، كان يجري بعض المشتريات المثيرة للاهتمام داخل إمارة دبي باستخدام زوجتيه كواجهة.
 
وحسب الوثائق فقد اشترى بوراتاي عقارين في دبي، بقيمة إجمالية تبلغ حوالي 500 ألف دولار، فيما قدرتها صحف نيجيرية بـ 1.5 مليون دولار. وفي حين ادعى أنه تم شراؤها من خلال وسائل مشروعة وصرح أنها استثمارات خاصة به في دبي، فقد كشفت الوثائق أن بوراتاي قد سرق الأموال المخصصة للتغذية والرعاية الطبية، وبدلات القوات المسلحة النيجرية للقيام بمشترياته.

وتناقلت وسائل الإعلام النيجيرية هذا الخبر، وكانت وكالة مكافحة جرائم الكسب غير المشروع النيجيرية، قد أكدت في نهاية العام الماضي، أن مكتباً لشركة تتخذ من دبي مقرا لها، متورطة بشراء عقارات في دبي من قبل رئيس أركان الجيش، بوراتاي في ظل نفي من الأخير.

وتشير التقديرات إلى أن أكثر من 200 مليار دولار من المكاسب غير المشروعة من نيجيريا قد استثمرت في مبيعات العقارات في دبي.

أموال باكستان وروسيا

في نهاية العام الماضي، أدرجت الولايات المتحدة في القائمة السوداء أربعة رجال وشركاتهم في باكستان والإمارات العربية المتحدة لارتباطهم المزعوم بمنظمة متهمة بغسل الأموال لمهربي المخدرات وجماعات الجريمة الصينية والكولومبية والمكسيكية.

وكان من بين هؤلاء الباكستاني عبيد خاناني الذي اعتقلت السلطات الأميركية والده ألتاف خاناني في عام 2015 واتهمته وزارة الخزانة الأميركية بغسل مليارات الدولارات لجماعة طالبان وغيرها من الجماعات الأفغانية. كما أدرجت الوزارة العديد من الشركات التجارية في باكستان ودبي للأسباب ذاتها. 

كذلك تم ذكر الإمارات في تحقيق حول خطة روسية واسعة لغسل الأموال، نفذت بين عامي 2011 و2014. وزعم أن الإمارات تلقت أكثر من 434 مليون دولار من هذه الأموال.
ووفقا للتحقيق، فإن دولة الإمارات العربية المتحدة هي واحدة من 96 دولة تعاملت مع ما مجموعه 20.8 مليار دولار تم غسلها في عملية معقدة يديرها مجرمون روسيون.


الجزائر وليبيا 


وتشير الأرقام التي تم نشرها على موقع خلية معالجة الاستعلام المالية في الجزائر، إلى ارتفاع عدد حالات الاشتباه بتبييض الأموال منذ بداية سنة 2015، حتى الآن، إلى 716 تصريحاً مبلغاً عنها من طرف البنوك، مقابل 661 تصريحاً سنة 2014 و582 سنة 2013، وفق موقع "الخبر" الجزائري.

ونقل الموقع عن مصادر من إدارة الجمارك، أن هناك بعض الدول ما زالت تمثل الوجهة المفضلة لمبيضي وغاسلي الأموال في الجزائر، وفي مقدمتها إمارة دبي.

في حين بيّن تقرير ديوان المحاسبة الليبي في نيسان/ إبريل الماضي، أن المبالغ المهربة عبر الاعتمادات المستندية برسم التحصيل وصلت قيمتها إلى 570 مليون دولار حتى نهاية شهر العام الماضي، وتطاول 81 شركة محلية من خلال 3711 تحويلاً.

وشملت عمليات التهريب أربع دول، من بينها دبي. كما أوقف ديوان المحاسبة خلال العام الماضي 69 شركة محلية تلاعبت في الاعتمادات المستندية برسوم التحصيل.