06 نوفمبر 2024
بماذا يفكر جنرالات أميركا؟
مع نشر نحو 400 عنصر من قوات المارينز الأميركية في سورية، لينضموا إلى العناصر الخمسمائة من القوات الخاصة التي سبق أن أرسلتها إدارة الرئيس السابق، باراك أوباما، لمؤازرة وحدات المليشيا الكردية في الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية، يكون عديد القوات الأميركية المنتشرة في شمال شرق سورية وشمال غرب العراق قد وصل، بحسب تقارير دفاعية وأمنية، إلى ما بين 9-10 آلاف جندي، وهو مرشح للزيادة. وإذا أُخذ في الاعتبار إنشاء الولايات المتحدة قواعد عسكرية على امتداد خط الرميلان -عين العرب، وصولاً إلى منبج، غرب الفرات، حيث تمركزت قوات المارينز مع مدفعيتها الثقيلة أخيراً، يتضح أن الولايات المتحدة، مع قواعدها الاثنتي عشرة المنتشرة شمال العراق وغربه، تخطط للمكوث طويلاً في الهلال السوري العراقي، الممتد على طول الحدود التركية-الإيرانية. ويعد هذا الهلال اليوم، بحق، خط التماس الأكثر أهمية، والأكثر ازدحاماً بالقوات العسكرية على مستوى العالم، حيث توجد على تخومه جيوش قوتين عالميتين (روسيا وأميركا) وقوتين إقليميتين (تركيا وإيران)، فضلاً طبعاً عن إسرائيل التي دخلت على الخط أخيرا. وإذا قرأنا هذه المعطيات، في ضوء توجه إدارة الرئيس دونالد ترامب إلى مضاعفة عديد قواتها في أفغانستان، فهذا يعني أننا أمام تحولاتٍ كبيرة في المشهد الإقليمي، وعلى صعيد السياسة الأميركية فيه.
يمثل الوجود العسكري الأميركي الذي سيكون طويلاً، بحسب الجنرال جوزيف فوتل، قائد القيادة المركزية الأميركية، التي تشرف على المنطقة بين حدود الصين الغربية وشواطئ المغرب على الأطلسي (الشرق الأوسط الكبير بحسب تعريف إدارة الرئيس الأسبق جورج بوش الابن)، يمثل، بحد ذاته، تطوراً استراتيجياً قد يكون الأهم في المنطقة، منذ الغزو الأميركي للعراق عام 2003. وقال فوتل في شهادته، في 9 مارس/ آذار الجاري، أمام لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ الأميركي، إن قواته تخطط للبقاء طويلاً في سورية بعد هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية، وإنها "بصدد إدارة مناطق بأكملها لمنع التنظيم من العودة مجدداً وحفظاً للأمن والاستقرار"، حيث توقع فوتل وقوع صدامات بين العرب والأكراد في الجزيرة السورية. وكشف فوتل أنه يسعى، في العراق، إلى إحياء اتفاقية وضع القوات التي يشار إليها اختصاراً بـ "صوفا"، للاحتفاظ ببضعة آلاف من الجنود الأميركيين في قواعد عسكرية في العراق، بعد استعادة الموصل من تنظيم الدولة الإسلامية. وكانت حكومة رئيس الوزراء السابق، نوري المالكي، قد رفضت التصديق على هذه الاتفاقية في البرلمان بضغط إيراني، ما حدا بالرئيس السابق أوباما الذي كان مستعجلاً الخروج من العراق قبل نهاية عام 2011 إلى التخلي عن الاتفاقية، على الرغم من معارضة وزارة الدفاع (البنتاغون).
ليس سراً أن البنتاغون الذي جرى تهميشه في عهد الإدارة السابقة، يبدو مرتاحاً أكثر في التعامل مع إدارة ترامب، خصوصا بوجود الجنرالات الثلاثة الذين خدموا في العراق في مواقع قيادية فيها (وزير الدفاع، وزير الأمن الداخلي، ومستشار الأمن القومي). وليس سراً أن البنتاغون يتبنى اتهامات ترامب لإدارة أوباما بالمسؤولية عن سقوط الموصل بيد تنظيم الدولة الإسلامية، لأنها استعجلت الانسحاب من العراق، وغضت الطرف عن تغلغل النفوذ الإيراني، وعن سياسات المالكي الطائفية، والتي أدت جميعها إلى إحياء تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق"، بعد أن كان قائد القوات الأميركية السابق في العراق، ديفيد بترايوس، قضى عليه تقريباً، بالتحالف مع قبائل الأنبار (الصحوات)، بحلول عام 2010.
بتمركز القوات الأميركية في سورية والعراق، لا يتجاوز البنتاغون حقبة أوباما فحسب، بل يسعى إلى الاستفادة من الاضطرابات التي تعصف بالهلال الخصيب لدخول أراضٍ لم تكن يوماً ضمن مناطق نفوذ الولايات المتحدة، فسورية والعراق كانت تاريخياً مناطق نفوذ أوروبية (بريطانيا وفرنسا في الفترة الاستعمارية، ثم روسيا في فترة الحرب الباردة). أما أميركا فكان نفوذها يتركّز على تخوم روسيا. لهذا السبب، أنشأت عام 1949 تحالف الحزام الشمالي (Northern Tier) من تركيا وإيران وباكستان، لاحتواء الاتحاد السوفييتي من خاصرته الجنوبية الغربية. يبدو أن البنتاغون يسعى إلى نقل الحزام جنوباً لاحتواء تركيا وإيران وباكستان، حيث بدأت أصواتٌ في الكونغرس تعلو لوضع الأخيرة على قائمة الدول الراعية للإرهاب. ما تداعيات ذلك عربياً؟ لا يهم، فالعرب مادة صراع، وليسوا طرفاً فيه. ومن منهم ليس كذلك يكتفي بالتفرّج!
يمثل الوجود العسكري الأميركي الذي سيكون طويلاً، بحسب الجنرال جوزيف فوتل، قائد القيادة المركزية الأميركية، التي تشرف على المنطقة بين حدود الصين الغربية وشواطئ المغرب على الأطلسي (الشرق الأوسط الكبير بحسب تعريف إدارة الرئيس الأسبق جورج بوش الابن)، يمثل، بحد ذاته، تطوراً استراتيجياً قد يكون الأهم في المنطقة، منذ الغزو الأميركي للعراق عام 2003. وقال فوتل في شهادته، في 9 مارس/ آذار الجاري، أمام لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ الأميركي، إن قواته تخطط للبقاء طويلاً في سورية بعد هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية، وإنها "بصدد إدارة مناطق بأكملها لمنع التنظيم من العودة مجدداً وحفظاً للأمن والاستقرار"، حيث توقع فوتل وقوع صدامات بين العرب والأكراد في الجزيرة السورية. وكشف فوتل أنه يسعى، في العراق، إلى إحياء اتفاقية وضع القوات التي يشار إليها اختصاراً بـ "صوفا"، للاحتفاظ ببضعة آلاف من الجنود الأميركيين في قواعد عسكرية في العراق، بعد استعادة الموصل من تنظيم الدولة الإسلامية. وكانت حكومة رئيس الوزراء السابق، نوري المالكي، قد رفضت التصديق على هذه الاتفاقية في البرلمان بضغط إيراني، ما حدا بالرئيس السابق أوباما الذي كان مستعجلاً الخروج من العراق قبل نهاية عام 2011 إلى التخلي عن الاتفاقية، على الرغم من معارضة وزارة الدفاع (البنتاغون).
ليس سراً أن البنتاغون الذي جرى تهميشه في عهد الإدارة السابقة، يبدو مرتاحاً أكثر في التعامل مع إدارة ترامب، خصوصا بوجود الجنرالات الثلاثة الذين خدموا في العراق في مواقع قيادية فيها (وزير الدفاع، وزير الأمن الداخلي، ومستشار الأمن القومي). وليس سراً أن البنتاغون يتبنى اتهامات ترامب لإدارة أوباما بالمسؤولية عن سقوط الموصل بيد تنظيم الدولة الإسلامية، لأنها استعجلت الانسحاب من العراق، وغضت الطرف عن تغلغل النفوذ الإيراني، وعن سياسات المالكي الطائفية، والتي أدت جميعها إلى إحياء تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق"، بعد أن كان قائد القوات الأميركية السابق في العراق، ديفيد بترايوس، قضى عليه تقريباً، بالتحالف مع قبائل الأنبار (الصحوات)، بحلول عام 2010.
بتمركز القوات الأميركية في سورية والعراق، لا يتجاوز البنتاغون حقبة أوباما فحسب، بل يسعى إلى الاستفادة من الاضطرابات التي تعصف بالهلال الخصيب لدخول أراضٍ لم تكن يوماً ضمن مناطق نفوذ الولايات المتحدة، فسورية والعراق كانت تاريخياً مناطق نفوذ أوروبية (بريطانيا وفرنسا في الفترة الاستعمارية، ثم روسيا في فترة الحرب الباردة). أما أميركا فكان نفوذها يتركّز على تخوم روسيا. لهذا السبب، أنشأت عام 1949 تحالف الحزام الشمالي (Northern Tier) من تركيا وإيران وباكستان، لاحتواء الاتحاد السوفييتي من خاصرته الجنوبية الغربية. يبدو أن البنتاغون يسعى إلى نقل الحزام جنوباً لاحتواء تركيا وإيران وباكستان، حيث بدأت أصواتٌ في الكونغرس تعلو لوضع الأخيرة على قائمة الدول الراعية للإرهاب. ما تداعيات ذلك عربياً؟ لا يهم، فالعرب مادة صراع، وليسوا طرفاً فيه. ومن منهم ليس كذلك يكتفي بالتفرّج!