بلماضي..النجاح فعل لا قول

28 ابريل 2018
مدرب الدحيل بلماضي (Getty)
+ الخط -
في مجتمعنا يتمحور حديثنا على الفشل، حتى أننا حين نذكر النجاح تجدنا نقرنه بالفشل، ومن ذلك القول: "الفاشلون نوعان، نوع يعمل دون أن يفكر، ونوع آخر يفكر ويتكلم دون أن يعمل"، وآخر يقول "لا أعرف طريق النجاح، لكن طريق الفشل أن تحاول إرضاء الجميع"، وهذا ليس لأننا نقدس الفشل، ولكن لأن النجاح هو فعل وعمل، ولم يكن يوما كلاما وأقوالا.

وإن أردنا وصف النجاح، فلا يمكن لكلمات قليلة أن تصفه، فهو يختلف من عقل إلى آخر، وما تختلف العقول في وزنه، حتما تفشل الكلمات في وصفه، فالنجاح قد يكون لبعضهم حلما تحق، وقد يكون هدفا تم بلوغه، وعند آخرين هو كتابة التاريخ بأسمائهم، وعند سواهم فرض أنفسهم، ولدى أقلية هو الحفاظ على نفس المكانة في القمة دون تراجع، وفئة قليلة جدا ترى النجاح في تجدد التحديات من دون ملل.

في كل القواميس وبكل اللغات يمكن أن أتوج الدولي الجزائري السابق ومدرب نادي الدحيل جمال بلماضي بتاج النجاح، وأنا متيقن أني لم أظلم أحدا، بل ربما ظلمته لأنه لم ينل هذا التاج حتى اليوم، فقد تعدى كل مراحل النجاح التي ذكرت سابقا، وتمكن من بلوغ مراتب في علم التدريب ظل مدربون آخرون لسنوات يحلمون بها، فقيادة أكثر من نادٍ لمنصات التتويج، والنجاح مع المنتخبين القطري الأولمبي والأول، ثم العودة إلى نادي الدحيل وتحقيق ألقاب جديدة، ليس بالأمر الهين كما يراه بعضهم، فأمثال جمال خدعوا الناس وأهموهم أن كرة القدم سهلة، وجعلوهم يظنون أن الطريق إلى منصات التتويج مفروش بالسجّاد الأحمر.

بلماضي أو كما أطلقت عليه في أحد الأيام جماهير نادي مارسيليا لما كان لاعبا في صفوفها "العضو السليم في الجسد المريض"، كجزاء لمستواه الثابت في وقت كان ناديه يعاني وقتها، لا يزال يجسد ذلك الوصف بكل أحقية، فقد أثبت للمرة الألف أن الكبار من يحملون على عاتقهم الرغبة مواصلة النجاح من على خط التماس، بعد أن تشبعوا به لسنوات داخل المستطيل الأخضر، فقرر أن يقتحم عالم التدريب، ويثبت نفسه من موسم لآخر، فقد جلب معه أهم عناصر نجاح المدربين مستغلا شخصيته القوية، فهو يمتلك الصرامة والتي عرفت عنه كلاعب، نفس الأمر للرغبة الكبيرة في الفوز والدماء الساخنة التي تفور في جسده، فمن يعرفون المدرب عن قرب يدركون جيدا أنه يرفض الخسارة حتى في اللقاءات الأخوية مع الأصدقاء، إضافة إلى تعلم مواكبته الأمور التكتكية والفنية، وليس الاكتفاء بالماضي والإصرار على استعماله، على الرغم من أن الزمن قد أكل عليه وشرب.

كصحافي جزائري بقيت لسنوات أتحدث عن جمال وأتمناه مدرباً للمنتخب الوطني، فهو يمتلك كل مقومات النجاح مع الخضر، كما أنه يعرف البيت جيدا فهو منه، إضافة إلى كونه من مزدوجي الجنسية فهو يعلم جيدا كيف يتعامل معهم، ويمكنه أن يسيّر الأمور التي انفلتت من أيدي المدربين السابقين منذ رحيل البوسني حليلوزيتش، أضف إلى ذلك أنه مدرب يعرف فنون التحفيز وأساليب دفع لاعبيه إلى تقديم كل ما لديهم، من دون أن نتناسى أنه مدرب يعرف جيدا طريق منصات التتويج، ولم يعش من أجل أفكاره والكلام عن النظريات، فقد ملأ خزائنه بألقاب كثيرة، رغم أن مشواره التدريبي قصير جدا، وهو تقريبا ما يحتاجه رفاق النجم رياض محرز، مدرب قوي الشخصية يسيّر المجموعة جيدا، قريب من اللاعبين ويفهمهم جيدا، لإعادة الروح لجسد المنتخب الجزائري.



من زيدان إلى بلماضي، دون نسيان كونتي، غوارديولا وآخرون لا يمكن ذكرهم جميعا، فقد سقط عرف الخبرة من قواميس التدريب، ولم يعد لكبر الرقم في خانة سنوات التدريب ولا عدد الأندية التي مر منها أي فائدة، فقد وجد جيل جديد من المدربين واكب التكنولوجيا، وأعطى صورة واضحة عن فئة جديدة من الناجحين، ففريق مثل ريال مدريد بعراقته يضع هذه الأخيرة بين زيدان الذي لم يسبق له أن درّب، وبرشلونة بعد سطوع نجمه وعودته مع ريكارد يُمنح على طبق من ذهب إلى غوارديولا، وحتى المنتخب الإيطالي بعراقته منحت مهمة تدريبه لكونتي، وقبلها منح له نادي السيدة العجوز، على الرغم من أنه كان لا يزال شابا، وبين هذا وذاك يمكن الجزم أن الشباب قد رسموا طريقهم إلى المجد.