بلدية الحيّ اليهودي... خطوة باتجاه دولة المستوطنين في الخليل

05 سبتمبر 2017
يستمرّ بناء المستوطنات من دون رادع (حازم بدر/فرانس برس)
+ الخط -
في أول أيام عيد الأضحى، أصدرت السلطات الإسرائيلية قراراً عسكرياً بمنح المستوطنين المستولين على أحياء وعقارات وسط البلدة القديمة في الخليل، حقّ تشكيل مجلس إدارة شؤون المستوطنين ومنحهم "سلطة إدارة شؤونهم البلدية". والقرار هو الأول من نوعه منذ احتلال الضفة الغربية عام 1967، ومؤشر على بداية مرحلة لترسيخ دولة المستوطنين بشكل مؤسساتي وبصبغة قانونية. القرار الاحتلالي التهويدي، أوضح أن هذه البلدية ستخدم الحي اليهودي، الذي تمّ تعريفه بحسب خرائط الاحتلال بأنه "المساحة التي تشمل السكان الفلسطينيين والمستوطنين الذين يسكنون بين 21 حاجزاً عسكرياً إسرائيلياً"، أي أن "نحو 40 ألف فلسطيني يعيش في تلك المنطقة"، وفقاً لمحافظة الخليل، و250 ألف فلسطيني في المدينة، في مقابل 400 مستوطن مسلّح استولوا على أجزاء من البلدة القديمة في الخليل. ترجمة هذا القرار سياسياً، كشفت أنه سقط شيء اسمه "بروتوكول الخليل لإعادة الانتشار" الموقّع بين السلطة الفلسطينية ودولة الاحتلال الإسرائيلي في يناير/كانون الثاني 1997، في ظل غياب رؤية فلسطينية كاملة لكيفية التعاطي مع المشروع الاستيطاني الصهيوني في الضفة الغربية المحتلة.

في هذا السياق، قال عضو بلدية الخليل، وزير الحكم المحلي السابق، خالد فهد القواسمي، لـ"العربي الجديد"، إن "ما يجري هو إلغاء فعلي لبروتوكول الخليل الموقع عام 1997، والذي نصّ على سيطرة فلسطينية كاملة على كل الخليل وسيطرة أمنية إسرائيلية على مناطق (H1) التي يتواجد فيها المستوطنون، ويحوّل السيطرة الأمنية الإسرائيلية إلى بلدية، ما يعني تكريس انقسام المدينة، أي عكس ما ذكره البروتوكول بأن الخليل هي مدينة مفتوحة وليست مغلقة".

وحول البرتوكول، أفاد القواسمي بأنه "نصّ على تقسيم السيطرة الأمنية على مدينة الخليل، منطقة (H1) تابعة للسيطرة الأمنية والإدارية الفلسطينية، ومنطقة (H2) تابعة للسيطرة الإدارية الفلسطينية والأمنية الإسرائيلية. وبهذا القرار تكون إسرائيل قد ألغت الاتفاق وأحالت السيطرة الإدارية إلى بلدية أنشأتها للمستوطنين في قلب الخليل". وتابع "إن منطقة (H2) هي منطقة ما بين مناطق (ج) ومناطق (ب) حسب اتفاق أوسلو. ومنطقة (ب) عليها سيطرة أمنية مشتركة فلسطينية وإسرائيلية، أما منطقة (H2) فعليها سيطرة أمنية إسرائيلية فقط. وهناك وجود لمراقبين دوليين، لكن بوجود سيطرة إدارية فلسطينية. وما حصل يلغي الجزء الأخير".



ورسّخ القرار النوايا الحقيقية للاحتلال بالسيطرة على قلب مدينة الخليل، وتحديداً الحرم الإبراهيمي وتحويله إلى كنيس اليهود. وهو ضرب لأي عملية سلام حتى قبل أن تولد. ورأى القواسمي أن "هذا القرار يعني أنه لا يمكن إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967، مع التذكير بأنه جاء بعد قرار اليونسكو باعتبار الخليل مدينة على قائمة التراث الإنساني العالمي. وهذا لن يمكن بلدية الخليل من توفير الحماية التاريخية المطلوبة للمدينة. وهذا القرار يضرب بعرض الحائط الحقوق الوطنية والسياسية للشعب الفلسطيني والخدماتية للمواطنين العرب. والمساحة التي يسيطر عليها المستوطنون في البلدة القديمة هي نصف كيلومتر مربّع من حدود بلدية الخليل، والتي تُدعى الحي اليهودي".

الردّ الفلسطيني على القرار الإسرائيلي تلخّص ببيان موجه من أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير صائب عريقات، للمجتمع الدولي والولايات المتحدة بـ"التحرّك الفوري والضغط على إسرائيل للتراجع عن قرارها العسكري". لكن بعيداً عن البيان الذي لا يعوّل عليه مثل آلاف البيانات التي سبقته، فإن قرار الاحتلال الإسرائيلي لم يأت فجأة، بل تم تعبيد الطريق أمامه عبر سلسلة من الخطوات الإسرائيلية. ووفقاً لطبيعة الاستيطان في البلدة القديمة في الخليل المتاخمة للحرم الإبراهيمي، فإن آلاف الفلسطينيين يقطنون قرب جيوب المستوطنين المسلحين، ولا يمكنهم عبور أحيائهم وشوارعهم سوى عبر حواجز عسكرية، ولا يسمح لهم بقيادة السيارات في تلك الشوارع أو فتح شبابيك بيوتهم التي تطل على المستوطنين. كم تم تغيير أسماء الشوارع والحارات من الأسماء الفلسطينية إلى الصهيونية في العامين الماضيين، ولم يعد قتل أي فلسطيني على تلك الحواجز أو إصابته بالرصاص أو اعتقاله، خبراً عاجلاً لكثرة تكراره.



بدوره، أوضح مسؤول شباب ضد الاستيطان في الخليل، عيسى عمرو، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، بأن "الحي اليهودي حسب ما يزعمون، يمتد من عمارة قفيشة، وتربة اليهود، ومنطقة تل الرميدة، ومنطقة الزيتون فيها، داخل حاجز الكونتينر، وشارع الشهداء، ومحيط مدرسة قرطبة والعين الجديدة، ومنطقة البركة والسهلة، ومحيط المسجد الإبراهيمي، وحارة السلايمة وغيث، وجزء من حارة جابر والجعبري، ووادي النصارى والحصين، وشارع عثمان بن عفان. وكل ما ذكر سيكون تحت ولاية بلدية المستوطنين الجديدة".

وأضاف عمرو بأن "معظم الأراضي الفلسطينية في الخليل هي محمية قانونياً أمام المحاكم الإسرائيلية، لذلك فإن شراءها أو مصادرتها ليست بالأمر السهل، فجاؤوا بمخرج قانوني يضمن التوسع الاستيطاني عبر التنصل من بروتوكول الخليل وتقسيماته (H1) و(H2)، والتملّص من الالتزامات الإسرائيلية، بينما الالتزامات الفلسطينية ما زالت موجودة، وتقسيم المدينة ما زال موجوداً، بحسب البروتوكول". وأكد بأنهم "يحاولون السيطرة على المناطق المستهدفة بالاستيطان في منطقة (H2)، وبدؤوا هذا المخطط منذ عامين، عندما قاموا بتغيير أسماء الشوارع واليافطات من فلسطينية إلى إسرائيلية، في المناطق التي يسيطرون عليها والتي يحيط بها الـ21 حاجزاً عسكرياً إسرائيلياً".

ورأى عمرو بأن "حكومة الاحتلال قررت الهرب للأمام بشكل سريع، عبر إنشاء بلدية للمستوطنين، ما يعني أن يكون لهذه البلدية صلاحيات مثل أي بلدية أخرى في العالم بامتلاك أراض ومساحات وعقارات للمصلحة العامة، أي أن التوسع الاستيطاني سيتم من خلال هذه البلدية، على شاكلة التعامل مع أراضي (ج) أي أنها تحت السيادة الإسرائيلية المطلقة، ولم يعد للفلسطينيين أي سيطرة عليها، وهذا إلغاء لاتفاق الخليل من طرف واحد". وتابع أنه "على الصعيد الخدماتي، سيُمكّن القرار الإسرائيلي بلدية المستوطنين من فرض ضرائب ورسوم على المواطنين الفلسطينيين، وتهجيرهم، والاستيلاء على كل البنى التحتية والمرافق العامة في تلك المنطقة، ويمثل تكريساً لواقع تقسيم المدينة، وإعطاء المستوطنين سيطرة على البلدة القديمة في الخليل والمنطقة المحيطة بالحرم الإبراهيمي".

ولخّص عمرو المخاطر المقبلة بقوله إن "تحويل المنطقة من (H2) إلى منطقة (ج)، يعني أن جميع أملاك المواطنين وشؤونهم ستكون مباشرة مع الإدارة المدنية، مما يصعب تطوير المنطقة فلسطينياً، ومصادرة جميع الأماكن العامة وأملاك بلدية الخليل، ووضعها تحت تصرّف بلدية المستوطنين الجديدة، ومنها منطقة الاستراحة والحسبة والكراج القديم وملعب المدرسة الإبراهيمية وبركة السلطان وعشرات المرافق التي كانت تستخدم للعامة. فضلاً عن عزل المنطقة بالكامل وتحويل هويتها الفلسطينية بالكامل إلى منطقة يهودية، ممكن فرض الغرامات والضرائب العالية على المواطنين الفلسطينيين فيها مستقبلاً، ومصادرة جميع المحلات والمنازل المغلقة والمتروكة في تلك المنطقة. فضلاً عن تقييد أكثر لحرية الحركة للمواطنين والمؤسسات الفلسطينية في المنطقة المذكورة، والتغوّل في سياسة الفصل العنصري والتمييز العرقي للمنطقة، وتقليل عدد المصلين في المسجد الإبراهيمي وزيادة المستوطنين فيه".