منذ انطلاق الحراك الثوري الشعبي في لبنان في 17 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، شكلت البلديات أداة في يد بعض الأحزاب للاعتداء على بعض التحركات السلمية أو حتى اعتقال بعض القصّر. وهو ما فتح ملف البلديات في لبنان، لناحية دورها، الذي تطرح تساؤلات عمّا إذا كان مفصَّلاً على مقاس السلطة، لإبقاء سطوة الأحزاب على المناطق سياسياً، ولاستغلال مقدرات هذه البلديات.
أكثر من اعتداء سُجل على المواطنين في أكثر من منطقة، لعلّ أبرزها تلك الاعتداءات التي شارك فيها عناصر بلدية في مدينة النبطية (جنوب)، والتي كانت نتيجتها استقالة عدد من أعضاء البلدية المحسوبين على القوى النافذة في المنطقة، اعتراضاً على هذه الممارسات. وسُجِّل اعتداء عناصر بلدية على أطفال في طرابلس (شمال) في حرم إحدى المدارس، كذلك اعتقلت شرطة بلدية حمانا (جبل لبنان، وسط) أطفالاً بتهمة تمزيق صورة أو لافتة لأحد الأحزاب الفاعلة في البلدة، ما أثار استياءً شعبياً كبيراً، ودفع إلى التظاهر أمام مركز شرطة البلدة حتى الإفراج عنهم.
ولم تكتفِ البلديات باستخدام القمع، بل عمدت بلديات أخرى إلى ممارسات قمعية من نوع آخر، كما حصل في بلدة جل الديب (جبل لبنان، وسط) التي حررت محاضر مخالفات بحق السيارات خلال قطع الطريق السريع الرابط ما بين بيروت وطرابلس، في جل الديب، في محاولة للضغط على المواطنين المنتفضين وثنيهم عن خيار قطع الطرقات اعتراضاً.
استخدمت السلطة خلال المرحلة الماضية البلديات مرات عدة، فشكلت الأخيرة أداة فعالة في أكثر من منطقة، خصوصاً في سياق الخطاب التحريضي، مثل ما حصل في بلدية الحدث (جبل لبنان، وسط)، المحسوبة على التيار الوطني الحر، الحزب الذي يتزعمه وزير الخارجية جبران باسيل، التي تفاخرت بمنع تأجير أو بيع الشقق السكنية للطوائف غير المسيحية، بحجة حماية "الوجود المسيحي" في المنطقة، وذلك قبل فترة من الحراك الثوري الشعبي.
ولعلّ دور البلديات في قضية اللاجئين السوريين أثار أيضاً استنكاراً كبيراً في الداخل اللبناني، خصوصاً مع اعتداء شرطة بعض البلديات على اللاجئين، تحت عنوان "الأمن"، منتهزة فرصة الخطاب التحريضي الذي انتشر في لبنان في تلك المرحلة، معطوفاً على سياسات عنصرية، تنتهك المواثيق الدولية، مثل منع تجوال اللاجئين ليلاً، وتعليق لافتات كبيرة تحذّر من تجوالهم، تحت طائلة الملاحقة.
تقول الأمينة العامة لـ"الجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات" المعروفة اختصاراً بـ"لادي" يارا نصار، لـ"العربي الجديد" إنّ "حفظ الأمن داخل النطاق البلدي قانوني، لكنّ مخالفة حقوق الإنسان نقاش آخر".
عائلية لا إنمائية
ولعلّ أزمة النفايات والجدل الذي رافقها، يصلحان للحديث عن دور البلديات، وخصوصاً مع الغياب التام لها ولدورها، وعدم قدرتها على إدارة الأزمة، التي تديرها السلطة المركزية، نتيجة ضعف قدرات ومالية البلديات، وعدم تعزيز حضورها، نتيجة حجم البلديات الصغير جداً، وهو ما أدى إلى ارتكاب بعض البلديات مجازر بيئية، كانت محط انتقاد المنظمات الدولية مثل "هيومن رايتس وتش" التي انتقدت في أحد تقاريرها حرق بعض البلديات للنفايات، فيما عمدت بلديات أخرى إلى رمي النفايات في مكبات عشوائية.
اقــرأ أيضاً
تحيل كلّ هذه الممارسات النقاش إلى الدور البلدي والقانون الذي أنتج سلطات محلية إما عاجزة، وإما أداة بيد السلطة والأحزاب، خصوصاً بعد انقضاء نصف ولاية المجالس البلدية التي انتخبت في عام 2016. وتقول نصار إنّ "المشكلة الأساسية تكمن في قانون البلديات" الصادر في عام 1977 الذي أدخلت عليه تعديلات بعد انتهاء الحرب الأهلية، وأجريت وفق انتخابات عام 1998 البلدية. وتلفت نصار إلى أنّ عدد البلديات في لبنان يعتبر كبيراً جداً، وبلغ أكثر من ألف بلدية، والمساحة الجغرافية لبعض هذه البلديات صغيرة جداً، وبالتالي إنّ عدداً كبيراً من هذه البلديات غير قابل للحياة، وأثبتت التجربة عدم فعاليتها، مذكرة بأزمة النفايات وما رافقها وعجز البلديات عن التعامل معها.
وتقول نصار إنّ سبب ارتفاع عدد البلديات وصغرها هو بقاء الصراع عائلياً بدلاً من أن يكون إنمائياً، ووفق مشاريع واضحة، وبالتالي تعكس هذه السياسة خوفاً من أن تنتج الانتخابات المحلية قيادات جديدة، تنازع الزعامات التقليدية والأحزاب المسيطرة. وتلفت إلى أنّ التعديل الأخير على قانون البلديات أضعف صلاحيات البلديات. وتنتقد نصار "عدم الاتجاه عموماً نحو اللامركزية" كما ينص اتفاق الطائف الذي وُقِّع بعد انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية، لأنّ "القصد الفعلي من الواقع البلدي إبقاء ارتهان الناس بعلاقة زبائنية مع الزعيم والحزب والطائفة".
النسبي بدلاً من الأكثري
في لبنان، عادة ما يجري انتخاب رئيس البلدية ونائب الرئيس من قبل أعضاء البلدية الفائزين، بدلاً من الانتخاب مباشرة من الشعب، على الرغم من أنّ قانون عام 1977 لحظ انتخاباً مباشراً من الشعب، لكنّ تعديلات القانون التي جاءت لاحقاً قبل انتخابات عام 1998 ألغت هذا البند. وتستشهد نصار ببلدية بيروت التي تعتبر أكبر بلدية في لبنان، إذ إنّ "انتخاب رئيس البلدية فيها مباشرة من الشعب يؤدي إلى إنتاج قيادة جدية في المدينة" تنافس تحت شعارات انتخابية إنمائية صِرفة، ولذلك ثمة "خوف كبير من هذا التوجه".
ولعلّ تجربة الانتخابات البلدية الأخيرة شكلت تحدياً رئيسياً، خصوصاً أنّ لائحة "بيروت مدينتي" التي نافست لائحة السلطة بشعارات إنمائية صِرفة، نجحت في استقطاب نحو 40 في المائة من أصوات الناخبين، على الرغم من عدم فوزها بأيّ مقعد نتيجة القانون الأكثري.
وعلى الرغم من مضيّ أكثر من عشرين عاماً على تاريخ إجراء أول انتخابات بلدية في لبنان بعد انتهاء الحرب الأهلية، فإنّ الواقع البلدي ما زال غائباً إنمائياً، في كلّ المناطق، حتى لدى البلديات المقتدرة مالياً مثل بيروت، وتالياً يبدو أنّ المطلب الرئيس بالإضافة إلى تقليل عدد البلديات هو في الانتقال من النظام الأكثري الذي يسمح لجهة واحدة بالسيطرة على البلديات إلى القانون النسبي. ووفق هذا طرحت "لادي" في أحد منشوراتها التي صدرت في عام 2016 بالتزامن مع الانتخابات البلدية الأخيرة التي جرت يومها، وحمل عنوان: "مقترحات وفقاً للمعايير الدولية" دعوة واضحة إلى اعتماد النظام النسبي، بما أنّ الأكثري "مجحف" ولا يؤمّن التمثيل الحقيقي والصحيح للمكونات و"يشـجع عـى اختيار الناخب لأفراد وتجمعات عوضاً عن برامج وأحزاب، وبالتالي يرسخ العلاقة القائمة بين الناخب والمرشح، المبنية على أسـس الروابط العائلية والقرابة والصداقة عوضاً عن البرامج".
وتدعو نصار إلى تغيير القانون البلدي في لبنان، وليس فقط تعديله، مشيرة إلى جملة من المطالب الرئيسية، لعلّ أهمها تخفيض عدد البلديات، وإنشاء مجلس للأقضية بدلاً من القائمقام الذي يعين، بالإضافة إلى وضع معايير لإنشاء البلديات، وتعزيز صلاحيات البلديات، خصوصاً على الصعيد المالي، بما أنّ ميزانية البلديات غير قابلة للإنتاجية الفعلية، كذلك فإنّ القانون يمنح البلديات دوراً موسعاً، فيما الأدوات التنفيذية محدودة.
تاريخ البلديات
عرف لبنان لأول مرة العمل البلدي في عام 1864 في دير القمر، إذ أنشئت أول بلدية، بعدما وضعت السلطنة العثمانية تنظيماً إدارياً، ثم حاول الانتداب الفرنسي تنظيم البلديات وفق التجربة الفرنسية، لكنّها بقيت رهينة المفهوم العشائري والعائلي. وبعد الاستقلال جرت الانتخابات في عام 1952 و1963 فقط، ثم اندلعت الحرب الأهلية في عام 1975، فبقي لبنان لنحو 35 سنة بلا أيّ انتخابات بلدية، إذ عمدت الحكومة إلى التمديد للمجالس، ولاحقاً تعيين أعضاء، حتى عام 1998 تاريخ إجراء أول انتخابات بعد الحرب الأهلية.
اللامركزية الإدارية الموسّعة وردت في اتفاق الطائف تحت عنوان "الإصلاحات الأخرى" في البند الثالث من الباب الثاني (الإصلاحات السياسية)، كحلّ وسط بين المطالبين بالفيدرالية (اليمين اللبناني) ورافضي التقسيم (القوى الوطنية)، بعد سنوات من الحرب الطويلة بين المشروعين. علماً أنّ النظام اللبناني، أصلاً، ليس مركزياً تماماً، بل تُعتبر البلديات الإدارة اللامركزية الأولى، تليها اتحادات البلديات التي تفرّخ منذ سنوات من دون اعتماد معيار واضح للحاجات التنموية.
وكان اتفاق الطائف قد لحظ في خانة "الإصلاحات الأخرى" الحديث موسعاً عن "اللامركزية الإدارية"، وعلى الرغم من أنّه لم يتحدث بوضوح عن البلديات، لكنّه أشار إلى ضرورة إعادة النظر في التقسيم الإداري عموماً، بالإضافة إلى اعتماد اللامركزية الإدارية الموسعة على مستوى الوحدات الإدارية الصغرى (القضاء وما دون)، أي إنّه أشار ضمناً إلى البلديات، وبالتالي يقول الخبراء إنّ أيّ إصلاح لا بدّ من أن ينطلق من البلديات أولاً.
أكثر من اعتداء سُجل على المواطنين في أكثر من منطقة، لعلّ أبرزها تلك الاعتداءات التي شارك فيها عناصر بلدية في مدينة النبطية (جنوب)، والتي كانت نتيجتها استقالة عدد من أعضاء البلدية المحسوبين على القوى النافذة في المنطقة، اعتراضاً على هذه الممارسات. وسُجِّل اعتداء عناصر بلدية على أطفال في طرابلس (شمال) في حرم إحدى المدارس، كذلك اعتقلت شرطة بلدية حمانا (جبل لبنان، وسط) أطفالاً بتهمة تمزيق صورة أو لافتة لأحد الأحزاب الفاعلة في البلدة، ما أثار استياءً شعبياً كبيراً، ودفع إلى التظاهر أمام مركز شرطة البلدة حتى الإفراج عنهم.
ولم تكتفِ البلديات باستخدام القمع، بل عمدت بلديات أخرى إلى ممارسات قمعية من نوع آخر، كما حصل في بلدة جل الديب (جبل لبنان، وسط) التي حررت محاضر مخالفات بحق السيارات خلال قطع الطريق السريع الرابط ما بين بيروت وطرابلس، في جل الديب، في محاولة للضغط على المواطنين المنتفضين وثنيهم عن خيار قطع الطرقات اعتراضاً.
استخدمت السلطة خلال المرحلة الماضية البلديات مرات عدة، فشكلت الأخيرة أداة فعالة في أكثر من منطقة، خصوصاً في سياق الخطاب التحريضي، مثل ما حصل في بلدية الحدث (جبل لبنان، وسط)، المحسوبة على التيار الوطني الحر، الحزب الذي يتزعمه وزير الخارجية جبران باسيل، التي تفاخرت بمنع تأجير أو بيع الشقق السكنية للطوائف غير المسيحية، بحجة حماية "الوجود المسيحي" في المنطقة، وذلك قبل فترة من الحراك الثوري الشعبي.
ولعلّ دور البلديات في قضية اللاجئين السوريين أثار أيضاً استنكاراً كبيراً في الداخل اللبناني، خصوصاً مع اعتداء شرطة بعض البلديات على اللاجئين، تحت عنوان "الأمن"، منتهزة فرصة الخطاب التحريضي الذي انتشر في لبنان في تلك المرحلة، معطوفاً على سياسات عنصرية، تنتهك المواثيق الدولية، مثل منع تجوال اللاجئين ليلاً، وتعليق لافتات كبيرة تحذّر من تجوالهم، تحت طائلة الملاحقة.
تقول الأمينة العامة لـ"الجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات" المعروفة اختصاراً بـ"لادي" يارا نصار، لـ"العربي الجديد" إنّ "حفظ الأمن داخل النطاق البلدي قانوني، لكنّ مخالفة حقوق الإنسان نقاش آخر".
عائلية لا إنمائية
ولعلّ أزمة النفايات والجدل الذي رافقها، يصلحان للحديث عن دور البلديات، وخصوصاً مع الغياب التام لها ولدورها، وعدم قدرتها على إدارة الأزمة، التي تديرها السلطة المركزية، نتيجة ضعف قدرات ومالية البلديات، وعدم تعزيز حضورها، نتيجة حجم البلديات الصغير جداً، وهو ما أدى إلى ارتكاب بعض البلديات مجازر بيئية، كانت محط انتقاد المنظمات الدولية مثل "هيومن رايتس وتش" التي انتقدت في أحد تقاريرها حرق بعض البلديات للنفايات، فيما عمدت بلديات أخرى إلى رمي النفايات في مكبات عشوائية.
تحيل كلّ هذه الممارسات النقاش إلى الدور البلدي والقانون الذي أنتج سلطات محلية إما عاجزة، وإما أداة بيد السلطة والأحزاب، خصوصاً بعد انقضاء نصف ولاية المجالس البلدية التي انتخبت في عام 2016. وتقول نصار إنّ "المشكلة الأساسية تكمن في قانون البلديات" الصادر في عام 1977 الذي أدخلت عليه تعديلات بعد انتهاء الحرب الأهلية، وأجريت وفق انتخابات عام 1998 البلدية. وتلفت نصار إلى أنّ عدد البلديات في لبنان يعتبر كبيراً جداً، وبلغ أكثر من ألف بلدية، والمساحة الجغرافية لبعض هذه البلديات صغيرة جداً، وبالتالي إنّ عدداً كبيراً من هذه البلديات غير قابل للحياة، وأثبتت التجربة عدم فعاليتها، مذكرة بأزمة النفايات وما رافقها وعجز البلديات عن التعامل معها.
وتقول نصار إنّ سبب ارتفاع عدد البلديات وصغرها هو بقاء الصراع عائلياً بدلاً من أن يكون إنمائياً، ووفق مشاريع واضحة، وبالتالي تعكس هذه السياسة خوفاً من أن تنتج الانتخابات المحلية قيادات جديدة، تنازع الزعامات التقليدية والأحزاب المسيطرة. وتلفت إلى أنّ التعديل الأخير على قانون البلديات أضعف صلاحيات البلديات. وتنتقد نصار "عدم الاتجاه عموماً نحو اللامركزية" كما ينص اتفاق الطائف الذي وُقِّع بعد انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية، لأنّ "القصد الفعلي من الواقع البلدي إبقاء ارتهان الناس بعلاقة زبائنية مع الزعيم والحزب والطائفة".
النسبي بدلاً من الأكثري
في لبنان، عادة ما يجري انتخاب رئيس البلدية ونائب الرئيس من قبل أعضاء البلدية الفائزين، بدلاً من الانتخاب مباشرة من الشعب، على الرغم من أنّ قانون عام 1977 لحظ انتخاباً مباشراً من الشعب، لكنّ تعديلات القانون التي جاءت لاحقاً قبل انتخابات عام 1998 ألغت هذا البند. وتستشهد نصار ببلدية بيروت التي تعتبر أكبر بلدية في لبنان، إذ إنّ "انتخاب رئيس البلدية فيها مباشرة من الشعب يؤدي إلى إنتاج قيادة جدية في المدينة" تنافس تحت شعارات انتخابية إنمائية صِرفة، ولذلك ثمة "خوف كبير من هذا التوجه".
ولعلّ تجربة الانتخابات البلدية الأخيرة شكلت تحدياً رئيسياً، خصوصاً أنّ لائحة "بيروت مدينتي" التي نافست لائحة السلطة بشعارات إنمائية صِرفة، نجحت في استقطاب نحو 40 في المائة من أصوات الناخبين، على الرغم من عدم فوزها بأيّ مقعد نتيجة القانون الأكثري.
وعلى الرغم من مضيّ أكثر من عشرين عاماً على تاريخ إجراء أول انتخابات بلدية في لبنان بعد انتهاء الحرب الأهلية، فإنّ الواقع البلدي ما زال غائباً إنمائياً، في كلّ المناطق، حتى لدى البلديات المقتدرة مالياً مثل بيروت، وتالياً يبدو أنّ المطلب الرئيس بالإضافة إلى تقليل عدد البلديات هو في الانتقال من النظام الأكثري الذي يسمح لجهة واحدة بالسيطرة على البلديات إلى القانون النسبي. ووفق هذا طرحت "لادي" في أحد منشوراتها التي صدرت في عام 2016 بالتزامن مع الانتخابات البلدية الأخيرة التي جرت يومها، وحمل عنوان: "مقترحات وفقاً للمعايير الدولية" دعوة واضحة إلى اعتماد النظام النسبي، بما أنّ الأكثري "مجحف" ولا يؤمّن التمثيل الحقيقي والصحيح للمكونات و"يشـجع عـى اختيار الناخب لأفراد وتجمعات عوضاً عن برامج وأحزاب، وبالتالي يرسخ العلاقة القائمة بين الناخب والمرشح، المبنية على أسـس الروابط العائلية والقرابة والصداقة عوضاً عن البرامج".
وتدعو نصار إلى تغيير القانون البلدي في لبنان، وليس فقط تعديله، مشيرة إلى جملة من المطالب الرئيسية، لعلّ أهمها تخفيض عدد البلديات، وإنشاء مجلس للأقضية بدلاً من القائمقام الذي يعين، بالإضافة إلى وضع معايير لإنشاء البلديات، وتعزيز صلاحيات البلديات، خصوصاً على الصعيد المالي، بما أنّ ميزانية البلديات غير قابلة للإنتاجية الفعلية، كذلك فإنّ القانون يمنح البلديات دوراً موسعاً، فيما الأدوات التنفيذية محدودة.
تاريخ البلديات
عرف لبنان لأول مرة العمل البلدي في عام 1864 في دير القمر، إذ أنشئت أول بلدية، بعدما وضعت السلطنة العثمانية تنظيماً إدارياً، ثم حاول الانتداب الفرنسي تنظيم البلديات وفق التجربة الفرنسية، لكنّها بقيت رهينة المفهوم العشائري والعائلي. وبعد الاستقلال جرت الانتخابات في عام 1952 و1963 فقط، ثم اندلعت الحرب الأهلية في عام 1975، فبقي لبنان لنحو 35 سنة بلا أيّ انتخابات بلدية، إذ عمدت الحكومة إلى التمديد للمجالس، ولاحقاً تعيين أعضاء، حتى عام 1998 تاريخ إجراء أول انتخابات بعد الحرب الأهلية.
اللامركزية الإدارية الموسّعة وردت في اتفاق الطائف تحت عنوان "الإصلاحات الأخرى" في البند الثالث من الباب الثاني (الإصلاحات السياسية)، كحلّ وسط بين المطالبين بالفيدرالية (اليمين اللبناني) ورافضي التقسيم (القوى الوطنية)، بعد سنوات من الحرب الطويلة بين المشروعين. علماً أنّ النظام اللبناني، أصلاً، ليس مركزياً تماماً، بل تُعتبر البلديات الإدارة اللامركزية الأولى، تليها اتحادات البلديات التي تفرّخ منذ سنوات من دون اعتماد معيار واضح للحاجات التنموية.
وكان اتفاق الطائف قد لحظ في خانة "الإصلاحات الأخرى" الحديث موسعاً عن "اللامركزية الإدارية"، وعلى الرغم من أنّه لم يتحدث بوضوح عن البلديات، لكنّه أشار إلى ضرورة إعادة النظر في التقسيم الإداري عموماً، بالإضافة إلى اعتماد اللامركزية الإدارية الموسعة على مستوى الوحدات الإدارية الصغرى (القضاء وما دون)، أي إنّه أشار ضمناً إلى البلديات، وبالتالي يقول الخبراء إنّ أيّ إصلاح لا بدّ من أن ينطلق من البلديات أولاً.