قالت منظمة "هيومن رايتس ووتش"، اليوم الخميس، إنّ البلديات اللبنانية تعرّض صحة المواطنين للخطر بحرقها للنفايات في الهواء الطلق، على الرغم من تمرير قانون وطني لمعالجة النفايات الصلبة يمنع الحرق. بعد عقود على سوء معالجة النفايات الصلبة، أقرّ مجلس النواب اللبناني في 24 سبتمبر/أيلول 2018 القانون في أولى جلساته منذ انتخابات مايو/أيار.
وقالت المنظمة "تخالف البلديات القانون الذي يحظر طمر النفايات وحرقها ويغرّم الانتهاكات"، وأوضحت أن القانون أعطى وزارة البيئة دور المراقب والمشرف وفوّضها تطوير استراتيجية وطنية لمعالجة النفايات خلال الأشهر الستة القادمة.
وأكدت نائبة مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المنظمة، لما فقيه: "بعد أن أقرّ مجلس النواب هذا القانون الذي طال انتظاره، على الحكومة اللبنانية تطبيقه. ما لم يُحاسب المخالفون، سيظل اللبنانيون يعانون من آثار مدمرة على صحتهم وبيئتهم".
واكتسبت أزمة النفايات في لبنان اهتماما عالميا في 2015، حين غرقت شوارع بيروت بالقمامة. لكنّ سوء معالجتها، بما في ذلك حرقها في المكبات، يعود إلى عقود مضت. ووجدت هيومن رايتس ووتش في تقرير نشرته في 2017، أنّ حرق النفايات في أكثر من 150 مكبا في الهواء الطلق يعرّض صحة السكان الذين يقطنون قريبا من المكبات للخطر.
وأوضحت أن هذه الأفعال انتهكت التزامات لبنان بموجب القانون الدولي، بما في ذلك واجب الحكومة احترام الحق بالصحة وحمايته وتطبيقه.
وزار باحثو هيومن رايتس ووتش قريتين في جنوب لبنان— القنطرة وقبريخا — في 11 أكتوبر/تشرين الأول وتحدثوا إلى سكان القنطرة الذين شهدوا حرق النفايات في الهواء في مكبات البلدية في كلتي القريتين في الأيام القليلة الماضية. ذكرت وسائل الإعلام أن حرق النفايات مستمر في بلدات وقرى أخرى في أنحاء البلاد.
حين زار باحثو المنظمة مكب قبريخا، كان الدخان لا يزال يتصاعد، وكانت آثار الحرق واضحة في مكب القنطرة، بما في ذلك سخام من حرق حديث ورواسب من الرماد.
وقال السكان للمنظمة، إن قرى الغندورية ورب ثلاثين وبني حيان لا تزال تحرق النفايات في مكبات البلدية في الهواء رغم القانون الجديد، لكن المنظمة لم تتمكن من زيارة المواقع للتحقق من هذه الادعاءات.
وقال أحد السكان إن الحرق مستمر رغم اعتراضات متكررة لرئيس بلدية قبريخا خلال الأسبوع الماضي. أضاف: "لم نعد نستطيع النوم، فالحرق في المكب دائم ويؤثر علينا... تعلق الرائحة في الأنف، وهذه مشكلة. يعاني ابني الذي يبلغ عمره 6 سنوات من السعال... قبل يومين، حين أحرقوا النفايات في الصباح، لم نتمكن من رؤية البلدات المجاورة".
ووثقت الدراسات العلمية مخاطر الدخان المتصاعد من حرق النفايات المنزلية في الهواء على صحة الإنسان، وأشارت إلى أنّ الأطفال والمسنين هم الأكثر عرضة للتضرّر.
وأجرت المنظمة مقابلة عبر الهاتف مع عماد فحص، نائب رئيس بلدية قبريخا، في 12 أكتوبر/تشرين الأول وقد اعترف أن البلدية تحرق في الهواء الطلق النفايات التي لا تمكن إعادة تدويرها شهريا.
وتابع أنه رغم معرفته بقانون معالجة النفايات الجديد والغرامات المرتبطة بالحرق والرمي في المكبات، تنتظر البلدية تعليمات اتحاد بلديات جبل عامل عن كيفية التحرّك. قال: "ربما نستطيع اعتماد الطمر الصحي، لكننا نحتاج للخبرة ولمعرفة تأثيره على المياه الجوفية. لا يمكننا أن ننسى مسألة التمويل... لكننا نحتاج أولا إلى التعليمات والتوجيه التقني".
وأكدت المنظمة أنها حاولت عدة مرات الاتصال برئيس بلدية القنطرة بدون جدوى، لكنها قابلت موظفا في البلدية مسؤولا عن جمع النفايات. نفى أنّ البلدية تحرق القمامة. حين أخبره الباحثون بوجود دليل على حرق في موقع المكب، عزا ذلك إلى حرائق قديمة في الموقع. لكن وجود رواسب الرماد والسخام الأسود الواضحة عند المكب وغياب أكوام القمامة يشيران إلى خلاف ذلك.
وقال السكان إن الحرق في موقع مكب القنطرة ما زال مستمرا، وأعطى أحد السكان للمنظمة صورا التُقطت في 24 سبتمبر/أيلول تظهر دخانا يتصاعد من حرق النفايات في مكب القنطرة.
وقالت المنظمة إنه على وزارة البيئة البدء على وجه السرعة بمراقبة التقّيد بقانون معالجة النفايات الصلبة والحرص على معاقبة المنتهكين بشكل مناسب. وضعت الوزارة إجراءات للشكاوى للحصول على معلومات عن المخالفات البيئية مثل رمي النفايات وحرقها في الهواء الطلق، بما في ذلك خط ساخن يستطيع المواطنون الاتصال به عبر طلب 1789.
كما دعت مجلس الوزراء إلى النظر في طلبات ميزانية الوزارة لضمان قدرتها على تنفيذ دورها الرقابي. وكذلك دعت الحكومة إلى ضمان العلاج الفعال لكل شخص انُتهك حقه في الصحة بسبب تصرف أو تلكؤ هيئات الدولة.
وتابعت "على النائب العام البيئي في كل محافظة أن يمتلك الموارد المناسبة للتحقيق في الشكاوى التي يستلمها من وزارة البيئة وغيرها، والحرص على محاسبة المنتهكين، كما أنه على وزارة العدل نشر أسماء النائبين العامين البيئيين في كل محافظة لتسهيل التبليغ عن الانتهاكات".
وقالت فقيه: "تشكّل الأشهر الستة المقبلة فرصة للمجتمع للعمل مع وزارة البيئة على تطوير الاستراتيجية الملخصة لمعالجة النفايات التي أقرت في يناير/كانون الثاني. لتكون الاستراتيجية الطويلة الأمد فعالة، عليها أن تأخذ بعين الاعتبار قلق وخبرة المجتمعات المحلية وخبراء الصحة والبيئة".
(العربي الجديد)