يشكل الدولار الأميركي العملة الأكثر انتشاراً في العالم. فبحسب صندوق النقد الدولي تُحفظ به 62 في المئة من الاحتياطيات المالية على سطح كوكبنا.
رغم هذا الانتشار الواسع، فإن المفارقة تتمثل في أنه من بين البقاع القليلة، التي لا يُسمح فيها بالتعامل بالدولار، بلدة تشيكية تحمل اسم ياخيموف، وهي البلدة التي تشكل "مسقط رأس" هذه العملة قبل 500 عام.
ووفق موقع "بي بي سي"، فقد بدأت قصة البلدة مع التعدين حتى قبل نشأتها بشكلها الحديث، وذلك بفعل اكتشاف كميات كبيرة من الفضة في أراضيها عام 1516. وقتذاك أطلق نبيل محلي ذو روح مقدامة، يُدعى الكونت هيرونيموس شليك، على المنطقة اسم يواخيمستال، وهي كلمة تعني بالإنكليزية "وادي يواخيم"، وذلك على اسم يواقيم، والد السيدة مريم العذراء وجد السيد المسيح، الذي يعتبره عمال المناجم في المنطقة القديس الراعي لهم.
ففي التاسع من يناير/كانون الثاني 1520، منح المجلس التشريعي لمنطقة بوهيميا الكونت شليك تصريحاً رسمياً بسك عملات فضية خاصة به. في البداية، سمى الرجل عملته الجديدة اسم "يواخيم ستالارس"، وقرر أن تُوضع على أحد وجهيها صورة يواقيم، مع وضع صورة أسد من أسود بوهيميا على الوجه الآخر. لكن سرعان ما اخْتُصِرَ الاسم إلى "تالار".
وخلال أقل من 10 سنوات، تحولت يواخيمستال من قرية صغيرة، يقطنها نحو 1050 شخصاً، إلى أكبر مركز للتعدين في أوروبا الوسطى، وأصبحت بقعة صاخبة بالحركة، يصل عدد سكانها إلى 18 ألف نسمة وتضم ألف منجم للفضة، يعمل فيها 8000 شخص.
ولم يكد منتصف القرن السادس عشر يحل، حتى كان عدد عملات الـ"تالار" - التي انتشرت في مختلف أنحاء أوروبا بعدما تم سكها من الفضة المستخرجة من مناجم هذه البلدة - قد ناهز ما يُقدر بـ12 مليون قطعة.
وفي عام 1898، اكتشفت العالمة الفيزيائية ماري كوري، خلال فحصها لمناجم البلدة، أن المادة الخام التي سُكت منها "الدولارات الأولى" في العالم، تحتوي على عنصرين إشعاعيين جديدين، هما الراديوم والبولونيوم.
أفضى ذلك، إلى أن تشهد البلدة ثاني حدث غير متوقع يقع في أراضيها، عندما تحولت المناجم، التي وفرت المادة الخام لأشهر عملة في العالم، إلى مصدر يمد سباق التسلح النووي بالوقود اللازم لاستمراره.
فعلى مدار العقود التالية لذلك، أصبحت مناجم الفضة في ياخيموف، التي أُعيد افتتاحها حينذاك بعدما كانت قد أُغلقت إثر نضوب الفضة، المصدر الأول للراديوم في العالم بأسره.
— Simon Lutz (@simonlutz21) November 3, 2018
|
وقام النازيون بتجارب لإقامة مفاعل نووي في تلك البلدة، بل ودوّن "أبو القنبلة النووية"، جيه روبرت أوبنهايمر، أطروحته بشأن مناجم يواخيمستال الغنية باليورانيوم.
وبعدما أدت قنبلة أوبنهايمر - من الوجهة الفعلية - إلى إسدال الستار على الحرب العالمية الثانية، أُرْسِلَ قرابة 50 ألفا من السجناء السياسيين السوفييت إلى ياخيموف، في الفترة بين عامي 1949 و1964، وذلك لاستخراج اليورانيوم وسحقه وتحميله للنقل إلى الاتحاد السوفييتي السابق، وذلك لتزويد الترسانة النووية لهذا البلد به.
ولذا يمكن القول إن أقوى رمزين يرتبطان بالسلطة والقوة في العالم، وهما الدولار والقنبلة النووية، قد جاءا من هذه البلدة الغريبة والشهيرة بالتعدين، والتي تقبع في أحضان تلال منطقة بوهيميا.