01 نوفمبر 2024
بلاط المسلخ البارد
ما الذي سيغيّره تقرير منظمة العفو الدولية (أمنستي) الجديد المسمى "سورية مسلخ بشري"، والذي يتحدث عن ثلاثة عشر ألف معتقل تم إعدامهم بأشد الطرق وحشيةً وإجراماً في سجن صيدنايا الشهير في سورية خلال الأعوام القليلة الماضية؟ ما الذي سيغيره تقرير كهذا في الوضع السوري ومآلاته؟ ثلاثة عشر ألف معتقل في سجن واحد فقط، وفي سورية عشرات المعتقلات بين سجون عادية وبين أقبية فروع الأمن والغرف السرية في الفرق العسكرية، حيث لا أحد يعرف ما يحدث هناك، غير من كان محظوظا، وكتبت له الحياة عمرا جديدا، فخرج ليروي بعضا مما شاهده، وإنْ كانت مدة إقامته في أحد تلك المعتقلات طويلةً، خرج من دون أن يجرؤ على الكلام، من دون أن يتمكّن من ذلك، سيحتاج وقتا طويلا ليشفى من هول ما رأى وما سمع، وما عاناه هو شخصيا.
سورية مسلخ بشري! هل كنا، نحن السوريين، نحتاج تقريرا كهذا لنتأكّد من أن المكان الذي ننتمي له ليس وطنا، وليس بلدا، ولا يمكن أن يكون هوية؟ هو ليس أكثر من مسلخ، محظوظٌ من تمكّن من النجاة منه، والمسلخ ليس أكثر من دمغةٍ زرقاء توضع على طرف الذبيحة، تؤكد أن قتلها تم حلالا. الدمغة هي هوية الموت، هوية السوري، من بقي هناك داخل أسوار المسلخ، ومن خرج منه. ما الذي سيغيّره تقرير "أمنستي"، وثمّة عشرات آلاف التقارير والصور تم تسريبها وعرضها واستعراضها وبثها عبر كل وسائل الميديا عن المسلخ نفسه، وعن مئات آلاف الذبائح البشرية اليومية التي دمغت بالأزرق خلال الخمس سنوات الماضية، من دون أن تهتز شعرة واحدة في الرأس المنتصب للمجتمع الدولي، الرأس المنتصب فخرا بمحاربته اليومية للإرهاب، وبالتعامل من الهاربين من المسلخ بوصفهم إرهابيين!
ما الذي سيغيره تقرير "أمنستي"؟ هل سيغير من رأي الموالين، إخوتنا في المسلخ نفسه، بما يحدث؟ لا أظن. بالنسبة لهؤلاء، من هم في المعتقلات ليسوا أكثر من إرهابيين، وذبحهم بهذه الطريقة أو تلك هو أقل ما يستحقونه، متناسين أن ساطور المسلخ لن يتوقف، قبل أن يطال رقاب الجميع، وأن الدمغة الزرقاء منقوشةٌ على أجسادهم أيضا، هم فقط من يرفضون رؤيتها! ما الذي سيغيّره تقرير "أمنستي" أخيراً؟ نشرت، مثل كثيرين غيري، من السوريين التقرير على صفحتي على "فيسبوك"، مثلما نشرت سابقا تقارير مشابهة، وتضم صفحتي مثقفين عرباً كثيرين، أزعم أنهم مرّوا على التقرير على صفحتي، كما مروا عليه على صفحات الأصدقاء، وربما فتحوا الرابط وقرأوا ما كتب فيه، فتعزّزت رؤيتهم لنا خونة لبلادنا العظيمة، وربما وصفونا، نحن من نشرنا التقرير، حاقدين كاذبين قابضين ثمن خيانتنا وحقدنا من أجهزة المخابرات العربية والغربية التي تدمر سورية وسمعتها، ثم يعودون إلى صفحاتهم يشتمون المجتمع الدولي على صمته عن تردّي الحالة الصحية لمعتقل فلسطيني في سجون الاحتلال أعلن إضراباً عن الطعام، احتجاجا على سجنه الطويل.
ما الذي سيغيّره تقرير "أمنستي"؟ لا شيء إطلاقا، نحن السوريين فقط سوف نقرأ التقرير، ثم سنشعر بالطعم القاتل في أحشائنا، وببرد نصل الساطور على رقابنا، إذ لا يوجد منا من ليس لديه أخ أو ابن أو أب أو قريب أو جار أو صديق داخل أسوار المسلخ، وربما داخل التقرير ذاته. نحن فقط من سنقرأ التقرير، ونتخيل ما يحدث لأولادنا المنسيين هناك، فتملأ الجروح أرواحنا، ونحاول أن نوقف نزف الجروح بالملح. نحن فقط من سنقرأ التقرير مرة ومرتين وثلاثاً، كي نصدّق أن من يفعلون ذلك ولدتهم أمهاتهم في البلد نفسه الذي ولدتنا فيه أمهاتنا، وشربوا من الماء نفسه الذي شربنا منه، واستنشقوا الهواء الذي استنشقناه، نحن فقط من سنقرأ هذا التقرير والتقارير السابقة واللاحقة، ونحاول النوم بعد ابتلاع أقراص المهدئات ونحضن مخداتنا، فإذا سقطنا في الكوابيس، حمت المخدات رؤوسنا من الارتطام ببلاط المسلخ البارد.
سورية مسلخ بشري! هل كنا، نحن السوريين، نحتاج تقريرا كهذا لنتأكّد من أن المكان الذي ننتمي له ليس وطنا، وليس بلدا، ولا يمكن أن يكون هوية؟ هو ليس أكثر من مسلخ، محظوظٌ من تمكّن من النجاة منه، والمسلخ ليس أكثر من دمغةٍ زرقاء توضع على طرف الذبيحة، تؤكد أن قتلها تم حلالا. الدمغة هي هوية الموت، هوية السوري، من بقي هناك داخل أسوار المسلخ، ومن خرج منه. ما الذي سيغيّره تقرير "أمنستي"، وثمّة عشرات آلاف التقارير والصور تم تسريبها وعرضها واستعراضها وبثها عبر كل وسائل الميديا عن المسلخ نفسه، وعن مئات آلاف الذبائح البشرية اليومية التي دمغت بالأزرق خلال الخمس سنوات الماضية، من دون أن تهتز شعرة واحدة في الرأس المنتصب للمجتمع الدولي، الرأس المنتصب فخرا بمحاربته اليومية للإرهاب، وبالتعامل من الهاربين من المسلخ بوصفهم إرهابيين!
ما الذي سيغيره تقرير "أمنستي"؟ هل سيغير من رأي الموالين، إخوتنا في المسلخ نفسه، بما يحدث؟ لا أظن. بالنسبة لهؤلاء، من هم في المعتقلات ليسوا أكثر من إرهابيين، وذبحهم بهذه الطريقة أو تلك هو أقل ما يستحقونه، متناسين أن ساطور المسلخ لن يتوقف، قبل أن يطال رقاب الجميع، وأن الدمغة الزرقاء منقوشةٌ على أجسادهم أيضا، هم فقط من يرفضون رؤيتها! ما الذي سيغيّره تقرير "أمنستي" أخيراً؟ نشرت، مثل كثيرين غيري، من السوريين التقرير على صفحتي على "فيسبوك"، مثلما نشرت سابقا تقارير مشابهة، وتضم صفحتي مثقفين عرباً كثيرين، أزعم أنهم مرّوا على التقرير على صفحتي، كما مروا عليه على صفحات الأصدقاء، وربما فتحوا الرابط وقرأوا ما كتب فيه، فتعزّزت رؤيتهم لنا خونة لبلادنا العظيمة، وربما وصفونا، نحن من نشرنا التقرير، حاقدين كاذبين قابضين ثمن خيانتنا وحقدنا من أجهزة المخابرات العربية والغربية التي تدمر سورية وسمعتها، ثم يعودون إلى صفحاتهم يشتمون المجتمع الدولي على صمته عن تردّي الحالة الصحية لمعتقل فلسطيني في سجون الاحتلال أعلن إضراباً عن الطعام، احتجاجا على سجنه الطويل.
ما الذي سيغيّره تقرير "أمنستي"؟ لا شيء إطلاقا، نحن السوريين فقط سوف نقرأ التقرير، ثم سنشعر بالطعم القاتل في أحشائنا، وببرد نصل الساطور على رقابنا، إذ لا يوجد منا من ليس لديه أخ أو ابن أو أب أو قريب أو جار أو صديق داخل أسوار المسلخ، وربما داخل التقرير ذاته. نحن فقط من سنقرأ التقرير، ونتخيل ما يحدث لأولادنا المنسيين هناك، فتملأ الجروح أرواحنا، ونحاول أن نوقف نزف الجروح بالملح. نحن فقط من سنقرأ التقرير مرة ومرتين وثلاثاً، كي نصدّق أن من يفعلون ذلك ولدتهم أمهاتهم في البلد نفسه الذي ولدتنا فيه أمهاتنا، وشربوا من الماء نفسه الذي شربنا منه، واستنشقوا الهواء الذي استنشقناه، نحن فقط من سنقرأ هذا التقرير والتقارير السابقة واللاحقة، ونحاول النوم بعد ابتلاع أقراص المهدئات ونحضن مخداتنا، فإذا سقطنا في الكوابيس، حمت المخدات رؤوسنا من الارتطام ببلاط المسلخ البارد.