تظل المقاهي في المدن المغربية في أي ساعة قصدتها نهاراً أو ليلاً مكتظة بالخريجين المهنيين والجامعيين العاطلين من العمل يشربون الشاي بالنعناع وغيره. وهذه ظاهرة واضحة تؤشر إلى حجم بطالة كبير تدفع أصحابها إلى تمضية أوقاتهم في المقاهى مع زملاء على شاكلتهم. شبان وشابات يمضون الكثير من الوقت في الحديث بما يفيد أو لا يفيد. بالطبع هناك الكثيرون ممن يغادرون البلاد نحو أوروبا من البوابة الإسبانية القريبة بعد اجتياز مضيق جبل طارق أو غيره من المنافذ المتوفرة.
وفي المغرب الصورة مشابهة لما عليه الوضع في الجزائر لجهة حجم بطالة الخريجين إن لم تكن أكثر حدة، فأحدث الإحصاءات عن العام الماضي تشير إلى وجود 854 ألف خريج عاطل من العمل، وهم بهذا المعنى يشكلون 21.9 في المائة من نسبة العاطلين من العمل في البلاد، ونسبة هؤلاء تمثل ضعف عدد العاطلين من العمل. وقد تضاعفت هذه النسبة ثلاث مرات خلال السنوات الأخيرة. ومن المتوقع حدوث المزيد من البطالة في ضوء توقع ارتفاع عدد طلاب الجامعات 50 في المائة وبالتالي عدد الخريجين. فقد ارتفع عدد الخريجين من 43 ألفاً قبل خمس سنوات إلى 120 ألفاً العام الجاري. إلا أن مؤشرات أخرى ترفع نسبة الخريجين العاطلين من العمل لتصل إلى 25.3 في المائة. وبالتوقف عند جنس هؤلاء يتبين أن النساء المؤهلات والعاطلات من العمل هن ضعف عدد الذكور. أرقام أخرى ترد في البيانات الإحصائية تقول إن نسبة العاطلين من العمل ترتفع وسط خريجي معاهد التكوين الفني بالمملكة إلى حدود 45 في المائة وهي ظاهرة جديدة لم تكن مألوفة سابقاً.
هذا الواقع يدفع الجدل إلى أقصاه بين الكتل والتيارات السياسية والنقابية عن العوامل الكامنة وراءه. وينفي فريق أن يكون التأهيل الذي يتلقاه الخريجون في الجامعات هو المسؤول، ويرون أن المشكلة تكمن في بنية الاقتصاد المغربي التي تتيح المجال للعمل للذين لا يملكون مؤهلات فنية وتقفلها أمام من يملكونها، وهؤلاء الذين لا يملكون مؤهلات يمثلون حوالي 60 في المائة لاسيما أن الشركات الصغيرة والمتوسطة والتي تمثل حوالي 95 في المائة من الحجم الإجمالي للمؤسسات والتي يغلب عليها الطابع العائلي لا تتيح لهؤلاء الدخول إلى سوق العمل.
وضمن الجدل المشار إليه أعلاه طالبت كتل سياسية وهيئات نقابية الدولة بتخصيص رواتب وتأمين تقديمات للعاطلين من العمل من بين هؤلاء، وبالتالي إنشاء صندوق تضامني على أن تكون مدة الإفادة منه لا تزيد عن سنة بعد التخرج قابلة للتجديد لمدة ستة أشهر. ويتبين من الإحصاءات التي تنشرها الوكالة الوطنية للتشغيل أن برامجها لم تتمكن من توظيف أكثر من 4 في المائة من عدد الخريجين. وينطبق ذلك على خريجي الجامعات عموماً، بمعنى أنه يشمل طلاب الدراسات الإنسانية والعلمية والقانونية على حد سواء. أي أن التخصص هنا غير محدد لإمكانية العاطل في توفير العمل. وتقول التقديرات التي يتم تداولها في أوساط الجهات المسؤولة عن الإحصاءات أن طلاب التجارة مثلاً وبنسبة تتراوح بين 40 و60 في المائة يمضون عاماً على الأقل دون عمل قبل العثور عليه. ولا شك أن الاقتصاد المغربي يتأثر باقتصادات المنطقة الأفريقية المحيطة من جهة وباقتصاد أوروبا الغربية أكثر من سواها باعتبارها سوق تصريفه الأساسية، والنتيجة أن الجامعيين الخريجين يدفعون الثمن أكثر من باقي الفئات في المجتمع المغربي الفتي.
*باحث وأكاديمي