أدى النائب الأول للرئيس السوداني، بكري حسن صالح، اليوم الخميس، القسم رئيساً للوزراء ونائباً أول لعمر البشير، تمهيداً لتشكيل الحكومة الجديدة التي يفترض أن تعلن خلال أسبوعين، في ظل جدل واسع حول تعيينه.
وكان المؤتمر الوطني الحاكم اختار، ليلة أمس الأربعاء، حسن صالح رئيساً للوزراء من ضمن أربعة مرشحين آخرين.
واستحدثت مخرجات الحوار الوطني، الذي أنهى أعماله في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، منصب رئيس الوزراء وحكومة انتقالية لفترة ثلاثة أعوام تنتهي بانتخابات عامة في 2020.
وقال النائب الأول للرئيس ورئيس الوزراء الجديد، في تصريحات عقب أداء القسم بالقصر الرئاسي، إنه سيعمل على تنفيذ مخرجات الحوار. وأكد أن الحكومة الجديدة ستعمل على تنفيذ جملة من البرامج، بينها الاهتمام بمعيشة الناس، وتحقيق الأمن والاستقرار بالبلاد.
من جهته، دافع البشير عن اختيار نائبه الأول رئيساً للوزراء، ورأى في التعيين "خطوة كبيرة نحو تنفيذ مخرجات الحوار"، وقال إن "تعيين بكري رئيساً للجنة العليا لإصلاح أجهزة الدولة في وقت سابق جعله ملماً بكل تفاصيل الأجهزة الحكومية، ما سيساعده في إدارة الفترة المقبل"، مجدداً التأكيد على أن حزبه سيقدم التنازلات الأكبر في المناصب بالجهاز التنفيذي.
وأكد الرئيس السوداني "استمرار الجهود لإلحاق المعارضة المسلحة والسلمية الممانعة بالحوار". ورأى أن "البيئة الدولية والإقليمية مواتية لتحقيق السلام في السودان، وتجاوز كافة مراحل الصراع والاحتراب والنزاع التي ظلت ملازمة للسودان منذ استقلاله قبل 61 عاماً".
شدد الرئيس السوداني، في مؤتمر صحافي عقد بالقصر الرئاسي، ظهر اليوم، على ضرورة تثبيت الحوار كحل لجميع الخلافات، وأكد أن "الوثيقة الوطنية التي خرج بها الحوار بمثابة أساس لمستقبل البلاد، وأنها ستظل مفتوحة ليحلق بها الجميع في أي وقت".
وذكر أن "البلاد بالحوار وبدء تنفيذه تخطت تماماً الحديث عن مرحلة انتقالية أو انقلابية أو شرعية ثورية وشعبية"، مضيفاً: "نمضي الآن نحو وضع مستقر ودستور دائم".
ونفى البشير وضع تاريخ لتشكيل الحكومة الجديدة، التي ذكر أنه سيعمل على تشكيلها بالتوافق العام بين كافة القوى التي شاركت في الحوار، وذكر أنها "جميعاً ستجد نفسها ممثلة في الحكومة بشقيها التنفيذي والتشريعي"، موضحاً "نحن غير مستعجلين لتشكيل الحكومة، ولا نريد أن تكون هناك خلافات حولها، حتى لا نحبط الشعب".
وقد أثار تعيين بكري حسن صالح، نائباً أول ورئيساً للوزراء، والذي يعد الأول من نوعه، منذ 28 عاماً (كان زعيم "حزب الأمة" المعارض، الصادق المهدي، آخر رئيس وزراء في فترة الديمقراطية الثالثة)، جدلاً دستورياً، بالنظر إلى جمعه منصبين، أحدهما سياسي والآخر تنفيذي.
وفي تصريح سابق، أكدت نائب رئيس البرلمان، بدرية سليمان، أن "الجمع بين منصبي النائب الأول للرئيس ورئاسة الوزراء يحمل بعض الصعوبة، لا سيما بعد تعديل المادة 63 في الدستور، التي أسقطت حق النائب الأول للرئيس في أن يكون جزءاً من مجلس الوزراء".
كما عبرت بعض الأحزاب المعارضة المشاركة في الحوار، بينها "المؤتمر الشعبي"، عن رفضها تعيين بكري رئيساً للوزراء.
"المؤتمر الشعبي" اعتبر في الخطوة "إفراغاً للمنصب، وتكريساً للوضع الراهن".
وفي السياق، قال القيادي في الحزب، أبوبكر عبدالرازق، لـ"العربي الجديد"، إن "تعيين صالح في منصب رئيس الوزراء إلغاء عملي للحوار الوطني ومخرجاته، وعدم اعتراف بالفترة الانتقالية التي يتم بمقتضاها التحول الديمقراطي والتحول السلمي للسلطة، فضلاً عن تنقيصه من قيمة منصب رئيس مجلس الوزراء".
وأكد عبدالرازق، أن "الخطوة من شأنها أن تجعل حزبه غير مطمئن لنزاهة العملية الانتخابية المقبلة"، موضحاً "كنا نتمنى، كما قدمنا في أوراق الحوار، أن يكون المنصب لشخصية مستقلة، تقف في مسافة واحدة من كل الأحزاب، وتعمل على تنفيذ مخرجات الحوار"، مضيفاً "لكن ما تم هو إفراغ للحوار من محتواه تماماً، إذ تبخرت معه كافة الآمال في إنجاز المصالحة الوطنية والتحول الديمقراطي".
ورأى القيادي في "تحالف قوى المعارضة"، ساطع الحاج، أن "القرار لم يدع من خيار للشعب السوداني غير إسقاط النظام بكافة الوسائل السلمية".
وقال الحاج، لـ"العربي الجديد"، إن "تعيين بكري يؤكد عدم جدية الحزب الحاكم في الحوار ومخرجاته، التي لم نعترف أصلاً بها"، متسائلاً: "ماذا يعني تعيين بكري وهو جزء من السلطة لأكثر من 27 عاماً تقلّد خلالها مواقع مهمة في الأمن والداخلية والدفاع كوزير لهما، بالإضافة إلى وزارة رئاسة الجمهورية، وأخيراً نائباً أول للرئيس؟".
وأضاف: "حسن صالح ساهم في تقويض الديمقراطية الثالثة، ويعتبر مشاركاً في فساد الدولة"، موضحاً أن "منصب رئيس الوزراء يجب أن يكون في ظل توازن في السلطة التنفيذية ومكوناتها، والتي يفترض أن تعبر عن مخرجات الحوار".
وأكد "ما حدث بتعيين بكري أن هناك عصفورة دخلت من الباب وخرجت من الشباك".
ويرى مراقبون في تعيين حسن صالح تأكيداً لـ"سيطرة المؤسسة العسكرية على الحكم، وتأكيداً لبحث الرئيس السوداني عن بديل يطمئن، ألّا يسلمه للجنائية، لا سيما بعد إعلانه عدم الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة"، مرجحين أن تشهد "فترة حسن صالح تسوية سياسية، ومحاولات لإعادة الاستقرار في البلاد، والتخفيف من حدة الاستقطاب، بغرض تهيئة بيئة مناسبة لرئاسته في انتخابات 2020".
ويؤكد خبراء آخرون أن "تعيين النائب الأول للرئيس تحصيل حاصل، وتكريس للأوضاع الراهنة"، مشددين على أن "حسن صالح لن يأتي بجديد، بالنظر إلى وجوده في السلطة لما يزيد عن ربع قرن".
وأوضح المحلل السياسي، عثمان ميرغني، أن "تعيين صالح رئيساً للوزراء تكريس للوضع الراهن، على اعتبار أنه في منصبه نائباً أول كان يحظى بسلطات رئيس الوزراء المستحدث"، موضحاً: "لن تكون هناك فرصة لاختيار منهج جديد في التفكير، أو حتى اختبار فترة انتقالية حقيقية يمكن أن تقود لتسوية سياسية حقيقة، لأن استمرار حسن صالح في المنصب استمرار للوضع الراهن".
وأكد ميرغني أن التعيين بمثابة "رسالة محبطة للقوى التي شاركت في الحوار الوطني"، موضحاً: "الغاية من استحداث منصب رئيس الوزراء كانت أن يتقاسم مع الرئيس السوداني بعض السلطات في محاولة للحد من سلطاته المطلقة، وإيجاد نوع من الفترة الانتقالية التي تسمح بعد ذلك بإقرار تعديلات دستورية، لإعادة هيكلة الدولة، عبر تولي المنصب من قبل شخصية لديها القدرة على إحداث متغيرات في الفترة المقبلة".