شكّلت الحكومة العراقية قيادةً عسكرية جديدة وموحدة في محافظة كركوك، ضمّت إلى جانب قوات الجيش والشرطة، فصائل "الحشد الشعبي" المنتشرة جنوب غربي المدينة، وذلك وفقاً لرؤية جديدة اعتمدتها بغداد، وتهدف إلى تعزيز قبضتها على المدينة، واستبدال أغلب القوات السابقة التي شاركت في اقتحام كركوك بعد تنظيم أربيل استفتاءً شعبياً للانفصال عن العراق، وهو ما عرف في ما بعد بأحداث أكتوبر/تشرين الأول 2017.
من جهتها، تترقب قوات البشمركة الكردية على أطراف المدينة أي اتفاق سياسي يسمح لها بالعودة إليها، وهو ما يبدو غير مطروح الآن، في ظلّ تزمت القوى العربية السنية والشيعية حيال هذا الملف، ورفضها أي دور كردي في هذا الإطار. ويبدو أن هذه القوى تتفق في ما بينها في هذا الأمر تحديداً تجاه الشريك الكردي، بسبب مخاوف من تكرار انتهاكات البشمركة ضد العرب في كركوك والضواحي المجاورة لها.
وكشف مسؤول أمن عراقي في المحافظة الغنية بالنفط، اليوم الثلاثاء، لـ"العربي الجديد"، عن أن القوات العراقية أعادت انتشارها في كركوك بشكل كامل، وباتت المدينة وضواحيها تحت قيادة موحدة، بقيادة الفريق الركن سعد حربية الذي استقدم خصيصاً لهذه المهمة من مدينة الفلوجة، حيث كان قائداً عسكرياً عليها، ونجح في إدارة ملفها الأمني الانتقالي الذي أعقب تحريرها من سيطرة تنظيم "داعش" عام 2016.
ووفقاً للمسؤول العراقي، فإن القيادة الموحدة الجديدة تضّم قوات الجيش العراقي النظامية، إضافة إلى فصائل مسلحة عدة من مليشيا "الحشد الشعبي"، لافتاً إلى أن القوات العراقية بانتشارها الأخير أحدثت استقراراً واضحاً في المحافظة.
واعتبر المصدر أن إشراك البشمركة في هذه القيادة أمر يعود إلى بغداد. وبحسب رأيه، فقد يحدث ذلك مستقبلاً، على أن تكون قوات البشمركة تحت إمرة قائد عسكري عراقي في كركوك.
وقال المقدم طالب العبيدي من قيادة عمليات كركوك، في اتصال هاتفي لـ"العربي الجديد"، إن شعار قوات الأمن هو أنه لا فرق بين عربي وكردي وتركماني ومسيحي ومسلم، وكلهم مواطنون في كركوك، والقانون أعلى من الجميع"، على حدّ قوله، مبيناً أن "كركوك وضواحيها تتقدم على المستوى الأمني، وهناك نية لإشراك العشائر والمواطنين في مهمة الأمن، من خلال حثهم على التفاعل في المعلومات والتعاون مع قوات الأمن، لأن أمن المدينة مهمة تكاملية قبل كل شيء".
وأكد العبيدي أنه "تم تعزيز الوجود العسكري في عموم المحافظة، وتمت مناقلات وتغيير للوجود السابق، وفقاً لرؤية ميدانية جديدة، ركزت على تعزيز الوجود في المناطق الرخوة"، مشدداً على أنه "لا توجد منطقة في كركوك خارج قيادة بغداد".
وتلاقي القيادة الموحدة الجديدة ردود فعل إيجابية من سكان المحافظة، الذين اعتبروها نهاية لتعدد القرارات الأمنية وكثرة القيادات والمراجع والدوائر المعنية بالملف الأمني، لكن الخطوة تلاقي اعتراضات كردية سياسية في الوقت ذاته.
وفي هذا الإطار، أكد عضو الحزب الديموقراطي الكردستاني، هيوا الجاف، لـ"العربي الجديد"، أنّ "البشمركة تترقب أن يكون لها دور في حماية كركوك"، مبيناً أنّ "إشراك البشمركة ليس من باب سياسي، بل هو ضرورة أمنية ملحة، لما تتمتع به من خبرة في إدارة أمن المحافظة".
وشدّد على "ضرورة أن تلتزم القوات العراقية بالاتفاقات التي أبرمت مع الجانب الكردي، والتي نصّت على أن يتم إشراك البشمركة في إدارة الملف الأمني في المناطق المتنازع عليها"، محذراً من مغبة "الانفراد بالملف الأمني وعدم تنفيذ الاتفاقات".
إلا أن مختار علي، وهو أحد وجهاء القومية التركمانية في كركوك، رأى أنه ينبغي على القادة الأكراد ترك الملف الأمني وعدم خلطه بالسياسة، معتبراً أن استمرارهم في ذلك "سيكون معناه سقوط ضحايا من المدنيين".
ورأى علي كذلك أن قرار بغداد "يصب في صالح الجميع"، وهو ما ذهب إليه عبد الله نجم الجبوري، أحد أعضاء الكتلة العربية في كركوك، والذي اعتبر أن اعتراضات الأكراد على القيادة الموحدة "سياسية ولا مبرر لها".
وبحسب الجبوري، إن الأكراد "مرتاحون الآن في كركوك، ولا يضايقهم أحد، وهم أهل المدينة ولهم كما للعربي والتركماني من حق"، مشدداً على أن "نبرة القوميات يجب أن تتلاشى، والأكراد مسؤولون عن إثارتها بين فترة وأخرى".