نُشرت تفاصيل نهب المتحف بدرجات متفاوتة من الدقة، لكن الحقائق الرئيسية هي كالآتي؛ عندما دخلت القوات الأميركية إلى بغداد، تركت معظم القوّة المؤلّفة من حوالي 25 حارسًا التي كانت مهمّتها حراسة المتحف، مواقعها. في 8 أبريل/ نيسان، لم يبقَ في مبنى المتحف إلا الدكتور دوني جورج والدكتور جابر خليل إبراهيم (رئيس الهيئة العامة للآثار العراقية)، وموظف آثار يدعى محسن مع ابنه، بالإضافة إلى حارسٍ واحد.
يجب عليّ التنويه إلى أن المبنى كبيرٌ جداً ويضمّ صالات عرض ومكاتب ومختبرات صيانة ومخازن وغرف عمل وغرف فهرسة وما إلى ذلك. بالإضافة إلى أجنحة ملحقة بمبنى المتحف وتضمّ أكثر من مئة مكتب، ومكتبة مراجع ومكاتب الهيئة العامة للآثار العراقية التي تشرف على جميع الآثار والمتاحف في العراق.
كان هناك عدد بسيط من العاملين المخلصين الذين صمّموا على البقاء في المبنى، وكانوا يتوقعون أن يسلّموا المبنى إلى القوات الأميركية بطريقة سلمية. لكنهم لم يعوّلوا على هذا الأمر لحكمتهم. لقد خزّن العاملون المخطوطات في القبو كما وضعوا فيه أيضًا غالبية الكتب الموجودة في المكتبة.
وشكّلوا لجنة لتفكيك الآثار التي يمكن إخراجها من صالات العرض، تاركين القطع الكبيرة، وتلك التي كانت مثبّتة بإحكام، وكانت ستتضرر إن حاولوا إخراجها. أحاط العاملون بعض المنحوتات الكبيرة بأكياس الرمل، وغلّفوا بعض القطع بمواد حافظة وأملوا خيرًا. خُبئت القطع المزالة من الصالات العامة في مخزن لا يعلم مكانه إلا خمسة من أعضاء اللجنة، وقد كانت مجموعات مهمّة من الآثار الأخرى قد أُمنّت قبل هذا بسنين.
خلال فترة الحصار على العراق على مدار 13 عاماً، كانت هناك تقاير صحافية بين الفينة والأخرى تتحدث عن ارتداء زوجات صدام حلياً ذهبية من مدفن الملكة في نمرود، والمدفن هو مجموعة رائعة من القبور التي وجدت سليمة في شمال العراق عامي 1988 ـ 1989. كانت تلك الحلي معروضة في صالات عدة في المتحف العراقي إلى تاريخ وقوع حرب الخليج عام 1991.
ولم تُرَ تلك الحلي بعدها، حتّى بعد أن أعيد افتتاح المتحف عام 1998، لذا بدأت الشائعات. لكن، كل من زار المتحف في حينها، كان يلاحظ اختفاء بعض القطع من مقابر أور الملكية، بالإضافة إلى قطع شهيرة، كالرؤوس الأكّادية المصنوعة من النحاس. كانت هذه القطع قد وضعت في صناديق مختومة في الغرف المحصّنة في المصرف المركزي قبل بدء حرب الخليج عام 1991 بفترة قصيرة.
في الخلاصة، نستطيع القول إن عاملي المتحف اتخذوا قرارات جيدة جداً للحفاظ على المقتنيات، وشيّدوا جدراناً جديدة أمام أحد المداخل الرئيسة وأمام مداخل المخازن.
فضلًا عن نقل القطع التي يمكن نقلها من صالات العرض في متحف الموصل وموقع الحضر الأثري إلى المتحف في بغداد. جرت عملية النقل هذه، لأن معظم المتاحف المحلية قد هوجمت خلال حرب الخليج عام 1991 ونُهبت أكثر من 5000 قطعة أثرية. لذا، اعتقد العاملون أن القوات الأميركية لن تقصف المتحف في بغداد وأنه سيُؤخذ بسلام ويحفظ.
في الساعة الحادية عشرة من صباح الثلاثاء 8 أبريل/ نيسان، ومع اقتراب دوّي المعارك من مجمع المتحف، شاهد الدكتور جابر بعض المسلحين العراقيين يقفزون على الأسوار ويتخذون وضعيات قتالية. عندما بدأ القتال، قرّر الدكتور جابر ترك المتحف والعودة إليه بعد بضع ساعات عند انتهاء القتال. كان الدكتور جابر والدكتور جورج، قد عبرا نهر دجلة، وعندما أرادا العودة، لم تسمح القوات الأميركية التي كانت تسيطر على الجسور، لأحد بالعبور.
حصلت بعض المعارك أمام المتحف لكنها تركت عدداً قليلاً جداً من آثار الرصاص وفجوة واحدة من قذيفة دبابة في إحدى البوّابات. كانت هناك تقارير متضاربة عن عدد المقاتلين في مجمع المتحف، لكن حتى في الجهة الخلفية له حيث شهد الشارع المحاذي معارك عنيفة ألحقت دماراً كبيراً في الأبنية المجاورة، لم يكن في مبنى المتحف أكثر من 50 أو 60 أثراً للرصاص.
كان مجمّع المتحف سالماً في يوم الأربعاء 9 أبريل، لكن في يوم الخميس دخل اللصوص من خلال بوّابة خلفية صغيرة، وكسروا إحدى النوافذ الزجاجية للدخول إلى صالات العرض. من المحتمل أن مجموعة من اللصوص المحترفين سرقت عدداً من القطع النفيسة من صالات العرض في هذا اليوم، والأهم أنها دخلت وسرقت قطعاً من أحد المخازن الأكثر تحصينًا. وُجدت بعض المفاتيح في المبنى في ما بعد، بالإضافة إلى أن باباً أو بابين تبيّن أنهما فُتحا بالمفتاح لا عنوة. كسر اللصوص الذين كانوا يعرفون المبنى ومحتوياته باباً يؤدّي إلى سلّم يؤدّي بدوره إلى باب فولاذي.
بعد أن استطاعوا فتح الباب الفولاذي عنوةً وجدوا جداراً حجرياً مشيّدًا في الممر، فكسروا المدماكين الأوّلين من جهته العليا، وتمكّنوا من التسلل خلالها، وذهبوا عبر سلّم آخر، إلى القبو العميق المستعمل كمخزن. لم يكن ثمة من كهرباء، لذا اعتمد اللصوص على مواد التغليف وأشعلوا النار للإنارة. كان اللصوص يعلمون موضع المقتنيات الأثمن في المتحف؛ الأختام الأسطوانية. ونجحوا بسرقة 4800 قطعة من هذه النفائس الغالية. وكانوا يعلمون بموضع المفاتيح المخبأة، التي ستسمح لهم بفتح خزنات أخرى تحتوي على أختام أسطوانية أيضَا، لكن لحسن الحظ أضاعوا المفاتيح قبل أن يتمكنوا من استخدامها.
ترجمة - محمد علي الموسوي
يجب عليّ التنويه إلى أن المبنى كبيرٌ جداً ويضمّ صالات عرض ومكاتب ومختبرات صيانة ومخازن وغرف عمل وغرف فهرسة وما إلى ذلك. بالإضافة إلى أجنحة ملحقة بمبنى المتحف وتضمّ أكثر من مئة مكتب، ومكتبة مراجع ومكاتب الهيئة العامة للآثار العراقية التي تشرف على جميع الآثار والمتاحف في العراق.
كان هناك عدد بسيط من العاملين المخلصين الذين صمّموا على البقاء في المبنى، وكانوا يتوقعون أن يسلّموا المبنى إلى القوات الأميركية بطريقة سلمية. لكنهم لم يعوّلوا على هذا الأمر لحكمتهم. لقد خزّن العاملون المخطوطات في القبو كما وضعوا فيه أيضًا غالبية الكتب الموجودة في المكتبة.
وشكّلوا لجنة لتفكيك الآثار التي يمكن إخراجها من صالات العرض، تاركين القطع الكبيرة، وتلك التي كانت مثبّتة بإحكام، وكانت ستتضرر إن حاولوا إخراجها. أحاط العاملون بعض المنحوتات الكبيرة بأكياس الرمل، وغلّفوا بعض القطع بمواد حافظة وأملوا خيرًا. خُبئت القطع المزالة من الصالات العامة في مخزن لا يعلم مكانه إلا خمسة من أعضاء اللجنة، وقد كانت مجموعات مهمّة من الآثار الأخرى قد أُمنّت قبل هذا بسنين.
خلال فترة الحصار على العراق على مدار 13 عاماً، كانت هناك تقاير صحافية بين الفينة والأخرى تتحدث عن ارتداء زوجات صدام حلياً ذهبية من مدفن الملكة في نمرود، والمدفن هو مجموعة رائعة من القبور التي وجدت سليمة في شمال العراق عامي 1988 ـ 1989. كانت تلك الحلي معروضة في صالات عدة في المتحف العراقي إلى تاريخ وقوع حرب الخليج عام 1991.
ولم تُرَ تلك الحلي بعدها، حتّى بعد أن أعيد افتتاح المتحف عام 1998، لذا بدأت الشائعات. لكن، كل من زار المتحف في حينها، كان يلاحظ اختفاء بعض القطع من مقابر أور الملكية، بالإضافة إلى قطع شهيرة، كالرؤوس الأكّادية المصنوعة من النحاس. كانت هذه القطع قد وضعت في صناديق مختومة في الغرف المحصّنة في المصرف المركزي قبل بدء حرب الخليج عام 1991 بفترة قصيرة.
في الخلاصة، نستطيع القول إن عاملي المتحف اتخذوا قرارات جيدة جداً للحفاظ على المقتنيات، وشيّدوا جدراناً جديدة أمام أحد المداخل الرئيسة وأمام مداخل المخازن.
فضلًا عن نقل القطع التي يمكن نقلها من صالات العرض في متحف الموصل وموقع الحضر الأثري إلى المتحف في بغداد. جرت عملية النقل هذه، لأن معظم المتاحف المحلية قد هوجمت خلال حرب الخليج عام 1991 ونُهبت أكثر من 5000 قطعة أثرية. لذا، اعتقد العاملون أن القوات الأميركية لن تقصف المتحف في بغداد وأنه سيُؤخذ بسلام ويحفظ.
في الساعة الحادية عشرة من صباح الثلاثاء 8 أبريل/ نيسان، ومع اقتراب دوّي المعارك من مجمع المتحف، شاهد الدكتور جابر بعض المسلحين العراقيين يقفزون على الأسوار ويتخذون وضعيات قتالية. عندما بدأ القتال، قرّر الدكتور جابر ترك المتحف والعودة إليه بعد بضع ساعات عند انتهاء القتال. كان الدكتور جابر والدكتور جورج، قد عبرا نهر دجلة، وعندما أرادا العودة، لم تسمح القوات الأميركية التي كانت تسيطر على الجسور، لأحد بالعبور.
حصلت بعض المعارك أمام المتحف لكنها تركت عدداً قليلاً جداً من آثار الرصاص وفجوة واحدة من قذيفة دبابة في إحدى البوّابات. كانت هناك تقارير متضاربة عن عدد المقاتلين في مجمع المتحف، لكن حتى في الجهة الخلفية له حيث شهد الشارع المحاذي معارك عنيفة ألحقت دماراً كبيراً في الأبنية المجاورة، لم يكن في مبنى المتحف أكثر من 50 أو 60 أثراً للرصاص.
كان مجمّع المتحف سالماً في يوم الأربعاء 9 أبريل، لكن في يوم الخميس دخل اللصوص من خلال بوّابة خلفية صغيرة، وكسروا إحدى النوافذ الزجاجية للدخول إلى صالات العرض. من المحتمل أن مجموعة من اللصوص المحترفين سرقت عدداً من القطع النفيسة من صالات العرض في هذا اليوم، والأهم أنها دخلت وسرقت قطعاً من أحد المخازن الأكثر تحصينًا. وُجدت بعض المفاتيح في المبنى في ما بعد، بالإضافة إلى أن باباً أو بابين تبيّن أنهما فُتحا بالمفتاح لا عنوة. كسر اللصوص الذين كانوا يعرفون المبنى ومحتوياته باباً يؤدّي إلى سلّم يؤدّي بدوره إلى باب فولاذي.
بعد أن استطاعوا فتح الباب الفولاذي عنوةً وجدوا جداراً حجرياً مشيّدًا في الممر، فكسروا المدماكين الأوّلين من جهته العليا، وتمكّنوا من التسلل خلالها، وذهبوا عبر سلّم آخر، إلى القبو العميق المستعمل كمخزن. لم يكن ثمة من كهرباء، لذا اعتمد اللصوص على مواد التغليف وأشعلوا النار للإنارة. كان اللصوص يعلمون موضع المقتنيات الأثمن في المتحف؛ الأختام الأسطوانية. ونجحوا بسرقة 4800 قطعة من هذه النفائس الغالية. وكانوا يعلمون بموضع المفاتيح المخبأة، التي ستسمح لهم بفتح خزنات أخرى تحتوي على أختام أسطوانية أيضَا، لكن لحسن الحظ أضاعوا المفاتيح قبل أن يتمكنوا من استخدامها.
ترجمة - محمد علي الموسوي