بعضهم يكره "بو عزيزي"

16 ديسمبر 2014
ليس بو عزيزي مسؤولا عن أزمات الربيع (فرانس برس)
+ الخط -



كثير من العرب الآن، أغلبهم ممن تجاوز الأربعين، يلعنون الشاب التونسي الراحل محمد بو عزيزي، الذي انتحر بإحراق نفسه في مثل هذا اليوم قبل أربعة أعوام، فيما يعتبره كثيرون انطلاقة لثورات، بات يطلق عليها لاحقا "الربيع العربي".
لا يكره هؤلاء بو عزيزي لشخصه، أو لأن في نفوسهم منه شيئا، ولا لأن الشاب الراحل كان يزعجهم، ربما بعض الكارهين من مؤيدي الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي أو غيره من الحكام الذين أقصتهم الثورات عن السلطة يكرهونه لأسباب سياسية.
لكن القصة أن بو عزيزي، وفق وجهة نظر الكارهين، تسبب بعد موته في أذى كبير أصابهم وأصاب الكثير من المواطنين العرب، جراء تفجر الثورات العربية التي انتهى بعضها بالفشل لأسباب متباينة، أو على أيدي ثورات مضادة، بينما ما زال بعضهم الآخر يصارع للبقاء والاحتفاظ بمكتسبات الثورة، مثلما هو الحال في بلده تونس.
ما ينطبق على الشاب التونسي الذي انتحر بإحراق نفسه، ينطبق تقريبا على الشاب المصري خالد سعيد الذي قتلته عناصر من الشرطة في مدينة الإسكندرية الساحلية، والذي ينظر إليه في مصر باعتباره أيقونة الثورة ضد نظام الرئيس السابق حسني مبارك القمعي.
لم يعد مستهجنا من أشخاص كثر، بغض النظر عن اختلاف الثقافة والنشأة والاعتقاد، عندما يذكر اسم بو عزيزي، أن تنطلق ألسنتهم بالسباب للشاب وما فعله، والذي انتهى لاحقا إلى ثورات أو انتفاضات أو تظاهرات أو حتى حرب أهلية، سمّها ما شئت، والأعجب أنه ربما شارك فيها من يوجّه له السباب شخصيا وكان مؤمنا بأهدافها ومعارضا لمن قامت ضدهم.
يتهم بعض هؤلاء بو عزيزي بالتسبب في كوارث كثيرة في عدد من الدول العربية، والمسؤولية عن الكثير من الدم العربي المراق، وضياع مليارات الدولارات، وتفكك أسر وزوال مشروعات وتعطل خطط تنمية وغيرها من الأمور التي لا شك في ظهورها مع أي حراك للتغيير، أو شعارات طنانة كان يرددها حكام فاسدون.
يُحمِّل هؤلاء الشاب الفقير كامل المسؤولية عن الدمار، أو الارتباك، الذي حاق ببلدانهم وأهلهم، رغم أن كل ما فعله كان أن ثار لكرامته بعدما اعتدت عليه شرطية تظن نفسها قادرة على التصرف في أقدار البشر كما يحلو لها، لم يحمل الشاب سلاحا ليقتل أحداً، ولا قنابل ليفجر أشخاصا أو أماكن، وإنما أحرق جسده النحيل الذي لا يملك غيره.
لكن ما الذي فعله هؤلاء الذين يتهمونه بالمسؤولية؟ الحقيقة أنهم مسؤولون ومتهمون في الوقت ذاته، مسؤولون عن وصول الحكام إلى تلك المرحلة من الفساد والقمع والبطش بسكوتهم وخنوعهم، ومتهمون بوصول بلدانهم إلى تلك المستويات من الترهل الاقتصادي والفشل الإداري والضياع الاجتماعي بتجاهلهم المطالبة بحقوقهم.
تعشق الشعوب المقهورة عادة البحث عن شماعة تعلق عليها أسباب فشلها بدلا من الاعتراف بأنها فاشلة، أو شريكة في أسباب الفشل، وترفض الشعوب الجاهلة دوما من يواجهها بحقيقة جهلها، وبات واضحا أن الشعوب المستسلمة تقاوم أي صوت يجهر مطالبا بحقه، لأنه يواجهها بحقيقة استسلامها.
يظل السؤال قائما: هل كان بوعزيزي مفجّرا للربيع العربي؟
الإجابة المنطقية، أن الربيع كان يختمر منذ سنوات في الدول العربية بلا استثناء، والواضح أن تفجَّره لم يكن وليد الصدفة، وأنه لم ينطلق بين ليلة وضحاها، والمؤكد أنه لم يفشل أو ينتهِ، كما يظن بعضهم، لكنه سيستمر ويتحقق، وإن كان يعيش حاليا مرحلة أفول أو انحدار.