عام كامل مر على عقد الحكومة المصرية مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي، الذي قالت إن حصيلته النهائية للاستثمارات والقروض التي حصلت عليها مصر بلغت 60 مليار دولار (470 مليار جنيه) فضلاً عن تعهدات بدعم خليجي قدره 12.5 مليار دولار.
لكن الواقع الاقتصادي المصري بعد مرور العام يشير إلى أن ذلك المؤتمر لم يحقق شيئاً وفق تصريحات مسؤولين مصريين، مما دفع الحكومة إلى تأجيل النسخة الثانية من هذه الفعالية الاقتصادية هذا العام، لعدم تذكير المواطنين بالمؤتمر السابق وإقرارها بأنه لم يحقق نجاحا، رغم الدعاية الضخمة التي قامت بها الحكومة عبر وسائل الإعلام المحلية، والتي منحت المصريين الأمل في تحسين ظروف معيشتهم وخروج البلاد من أزمة اقتصادية متردية.
وبلغ حجم ما أنفقته الحكومة على تنظيم وتجهيزات المؤتمر الذي عقد في الفترة من 13 إلى 15 مارس/آذار، أكثر من 100 مليون جنيه (12.8 مليون دولار)، وفقا لتصريحات من مسؤولين حكوميين آنذاك منهم وزير الاستثمار الحالي أشرف سلمان.
وأرجع خبراء اقتصاد عدم تنفيذ الاتفاقات الاستثمارية التي تم إبرامها إلى غياب الرؤية الاقتصادية للحكومة، وتفاقم حدة الفساد داخل الجهاز الإداري للدولة، وتناقض قوانين الاستثمار، وتضارب الجهات المختصة بالتعامل مع المستثمرين، فضلا عن الوضع السياسي والاقتصادي غير المستقر للبلاد.
وقالت د.عالية المهدي، العميد الأسبق لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، إن الحكومة أجادت الحديث عن المشروعات الضخمة والاستثمارية خلال مؤتمر شرم الشيخ اقتصادي، لكن ذلك الحديث لم يترجم للواقع، وبالتالي لم تتحقق أي نتائج ملموسة.
وأوضحت المهدي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن البنية التشريعية اللازمة للاستثمارات لم تكتمل، ومنها قانون الاستثمار الموحد، مضيفة أن هناك عدم وجود رؤية واضحة للوضع الاقتصادي للبلاد ومستقبله.
وروج النظام المصري للمؤتمر على أنه سينقل مصر سريعا إلى تحقيق الاستقرار الاقتصادي وتقليص معدلات البطالة ورفع المستوى المعيشة للفرد ومن ثم تحقيق العدالة الاجتماعية.
لكن بعد ثمانية أشهر من انعقاد المؤتمر أصدر الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (حكومي) بيانا منتصف نوفمبر/تشرين الثاني 2015، أعلن فيه ارتفاع نسبة البطالة إلى نحو 12.8% خلال الربع الثالث من ذلك العام، مقابل 12.7% خلال الربع السابق عليه، بما يتجاوز 3.6 ملايين عاطل.
ويرى الخبراء أن المؤتمر الذي جاء تحت عنوان "مصر المستقبل"، نجح فقط من الناحية الشكلية، ولا سيما ما يتعلق بإجراءات تنظيمه، حيث شاركت وفود من نحو 90 دولة من جميع أنحاء العالم وممثلون عن 25 منظمة إقليمية ودولية، فضلا عن الدعم الخليجي له، خاصة من قبل المملكة العربية السعودية والكويت والإمارات آنذاك.
وقال د.عبدالنبي عبدالمطلب، الخبير الاقتصادي، "حتى الآن لا يوجد ما يمكن أن يشار إليه من نتائج المؤتمر، سوى الحصول على مساعدات خليجية بنحو 6 مليارات دولار، وما تبقى من تعهدات في شكل استثمارات لم تحقق".
اقرأ أيضاً: المخابرات المصرية تتدخل لإنقاذ الاقتصاد المتردي
وأضاف عبدالمطلب، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن عدداً كبيراً من التعاقدات التي تمت في المؤتمر لم تتم على أرض الواقع إلا القليل منها، بسبب سوء المناخ الاقتصادي.
وأشار إلى أن المؤتمر كان يهدف في المقام الأول إلى تحقيق استثمارات تصل إلى 100 مليار دولار، ولكن ما تم على أرض الواقع حاليا يعتبر لا شيء، وهذا ما يشير إلى فشل المؤتمر في تحقيق أهدافه.
وأعلنت الحكومة المصرية عن عدة مشروعات ضخمة خلال المؤتمر، منها إنشاء عاصمة إدارية جديدة على أطراف القاهرة، تبلغ تكلفة مرحلتها الأولى نحو 45 مليار دولار، ووقع مستثمرون إماراتيون اتفاقاً مبدئياً لتنفيذ المشروع، لكن سرعان ما صدرت تصريحات من جانب الطرفين تشير إلى تعثر الاتفاق.
وقالت عالية المهدي "فشل مشروع العاصمة الإدارية الجديدة، ينم عن عشوائية الإدارة الحكومية، ولا بد من محاسبة إبراهيم محلب (رئيس الوزراء السابق)، الذي تم في عهده اتفاق الحكومة على إنشاء المشروع".
وبعد أشهر قليلة من المؤتمر، نشرت وسائل إعلام محلية موالية للنظام في يوليو/تموز الماضي، ما وصفتها بتقارير سرية، تتعلق بمتابعة أداء الحكومة في تنفيذ مشروعات مؤتمر شرم الشيخ، عقب انتهاء المهلة التي حددتها مذكرات التفاهم الخاصة بها، مشيرة إلى أن المؤتمر أسفر عن طرح 55 مشروعاً لم يتم توقيع سوى 7 منها فقط، تتركز أغلبها على قطاعي الإسكان والكهرباء.
وكان خبراء مال غربيون ومستثمرون عرب، قد أكدوا في تصريحات لـ"العربي الجديد" في العاشر من مارس/آذار 2015، أي قبل المؤتمر بثلاثة أيام، أن تحديات الاضطرابات السياسية والأمنية، تقف حائلاً أمام تطلعات النظام المصري من جذب الاستثمارات، وهو ما دعا البعض إلى وصف المؤتمر بأنه مجرد "ثرثرة عن المشروعات دون تنفيذ".
وتراجعت معظم مؤشرات الاقتصاد المصري، بسبب تدهور السياحة والتصدير وتراجع إيرادات قناة السويس وتحويلات المصريين العاملين في الخارج، ما أدى إلى أزمة حادة في النقد الأجنبي، دفعت سعر الدولار الأميركي إلى تسجيل مستويات غير مسبوقة أمام الجنيه في السوق الموازية (السوداء)، حيث اقترب خلال الأيام الماضية من 10 جنيهات، بينما يبلغ سعره الرسمي 7.83 جنيهات، ما أدى إلى قفزات في أسعار مختلف السلع بالبلاد وسط غضب شعبي.
وكان رجل أعمال كشف في تصريح لـ"العربي الجديد" يوم الخميس الماضي، أن جهاز المخابرات المصري دعا عددا من رجال الأعمال إلى اجتماع في مقر الجهاز مؤخراً، لمناقشة الوضع الاقتصادي، الذي وصفه مسؤول كبير بالمخابرات بـ"المتردي".
وقال رجل الأعمال، والذي فضّل عدم كشف هويته، إن "وكيل جهاز المخابرات الذي أدار الاجتماع أخبرنا بأنهم كانوا يعوّلون بشكل قوي على المؤتمر الاقتصادي الذي عقد في مدينة شرم الشيخ في مارس/آذار 2015، لدفع عجلة الاقتصاد المصري، من خلال ضخ عدد كبير من المشروعات، إلا أن أيّا من تلك المشروعات التي أعلن عدد من المجموعات الاقتصادية العالمية تنفيذها، وكذلك دول الخليج، لم يتم تنفيذ أي منها، أو حتى الاتفاق بشكل مبدئي عليها".
وقال رشاد عبده، الخبير الاقتصادي المصري في تصريح خاص إن " النمو الاقتصادي يقوم على الاستقرار السياسي والأمني، وعدد كبير من المستثمرين يسعون للدول المستقرة لاستثمار أموالهم، ولكن ما شهدته مصر خلال الفترة الماضية من أزمات اقتصادية أضاعت بمكاسب المؤتمر الاقتصادي".
اقرأ أيضاً:
الاضطرابات تدفع مصر إلى تأجيل مؤتمرها الاقتصادي
تقرير أميركي: أزمة الدولار تهدد الاقتصاد المصري