كعادتي، استيقظت على صوت المنبّه المزعج الذي أكره. لكن لا خيار آخر أمامي. اخترته لأصحو باكراً وأتنقل بين الواجبات الصباحية. القهوة والحمام الساخن وترتيب البيت، وإن يظل غير مرتب، قبل بدء يوم العمل الطويل.
بدا هذا الصباح مختلفاً، باستثناء صوت المنبّه المزعج. وجدت نفسي داخل خيمة صغيرة تلاعبها النسمات. لم أعرف شيئاً عن المكان ولم أفكر في الزمان. نظرت إلى الساعة فكانت الخامسة صباحاَ بعد عشر سنوات من الآن. حاولت جمع أفكاري قبل الخروج من الخيمة، فلم أجد أي فكرة أو ذاكرة علني أستطيع جمعها. ارتديت الملابس المبعثرة الموجودة قربي ونظرت إلى جميع الأغراض من حولي. كان هناك حقيبة الظهر السوداء خاصتي والكاميرا وقناني مياه وعلب طعام معدنية فارغة وخوذتي القديمة وبعض معدات التخييم. خرجت من الخيمة التي لم يختلف لونها عن لون الرمل. أردت معرفة ما يحدث من حولي. كنت على هضبة في منطقة نائية، تحيط بها سهول بالإضافة إلى طريق شبه معبدة. غمر الوحل دراجتي النارية الموجودة قرب الخيمة. وكانت السماء صافية مع بعض الغيوم البيضاء المتفرقة.
عدت مرة ثانية إلى الخيمة وحملت الكاميرا علّني أسترجع ذاكرتي من خلالها. بدأت بتقليب الصور الموجودة، وعرفت من خلالها أنني في رحلة لطالما حلمت بها، وقد بدأت منذ عام. أشعلت النار وحضرت قهوتي. وكانت هذه أول لحظة أشعر فيها بألفة مع المكان. لم أشعل أي سيجارة مع القهوة. أصلاً لم أكن أحمل علبة سجائر. فتحت إحدى المعلبات وأكلت ما فيها على مهل. جمعت الخيمة ووضبت أغراضي وفتحت حقيبتي لأجد خريطة الطريق التي سلكتها. تفحصتها جيداً. كيف تحضرت لهذه الرحلة؟ كيف وضبت أغراضي وودعت من أحب على أمل اللقاء؟ في رأسي صور لمدن وقرى وناس، وصور لمغيب الشمس وبزوغ الفجر، وصور لأكلات شعبية مختلفة، وصور للافتات ترحيب على الحدود وبمختلف اللغات.
حين وصلت إلى مشارف إحدى المدن، قررت أن أستريح قليلاً قبل اللقاء بأشخاص جدد. شربت قليلاً من القهوة الباردة، وفتحت حقيبة الظهر لأجد دفتر مذكرات للرحلة. لم أستخدم "الآيباد" لعدم توفر الكهرباء دائماً. في المذكرات مواقف كثيرة، تلك التي حدثت قبل الرحلة أي قبل سنوات. وكان الجزء الأهم فيها التحضير لهذه الرحلة من الناحية المادية والنفسية والاجتماعية. كنت حريصاً على أن يجد أطفالي طريقهم قبل الانطلاق في رحلتي.
أدرت محرك الدراجة من جديد وأطفأت المنبه المزعج نهائياً. لا أريد التفكير في الوقت الذي يقضي على الذاكرة. تابعت رحلتي التي لم أنطلق فيها بعد. لكن بعد عشر سنوات وربما أكثر، سأكون قادراً على سرد تفاصيلها بطريقة أخرى، وربما بطريقة أفضل.