أحرج الرئيس الأميركي المنتهية ولايته، باراك أوباما، الرئيس المنتخب دونالد ترامب، بإعلانه فرض عقوبات على روسيا بتهمة تدخلها في الانتخابات الرئاسية الأميركية، وطرد 35 دبلوماسياً روسياً من الولايات المتحدة، للاشتباه بتورطهم بعمليات تجسس إلكترونية وقرصنة معلومات من البريد الإلكتروني للجنة الوطنية للحزب الديمقراطي، ساهمت بفوز ترامب وألحقت الهزيمة بهيلاري كلينتون مرشحة الحزب الديمقراطي.
ورغم أن موسكو هي المستهدفة الأولى بالإجراءات العقابية الأميركية، أقلّه من حيث الشكل إذ إن العقوبات استهدفت مسؤولين في أجهزة الاستخبارات الروسية، يدرك الكرملين تماماً أن حسابات داخلية أميركية هي التي دفعت إدارة أوباما إلى زعزعة العلاقات الأميركية الروسية، قبل ثلاثة أسابيع فقط من تسلم الرئيس الأميركي الجديد مقاليد الأمور في البيت الأبيض.
فالسجال الانتخابي الأميركي المتواصل منذ أكثر من عام، لم ينته مع إعلان نتائج الانتخابات في الثامن من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي. وتحديداً بالنسبة للحزب الديمقراطي وأنصار كلينتون الذين طعنوا بشرعية انتخاب ترامب، لأن المرشحة الديمقراطية تقدمت عليه بالتصويت الشعبي بأكثر من مليوني صوت!
ويبدو أن الرئيس أوباما اختار الوقت المتبقي له في البيت الأبيض، كي يأخذ حصته من السجال المباشر مع ترامب، بقوله قبل يومين، إنه لو كان القانون الانتخابي يسمح له بالترشح لولاية ثالثة، لأعاد الأميركيون انتخابه مجدداً في استفزاز مباشر للرئيس المنتخب. ولم يفوت الأخير فرصة الرد عليه بتغريدة على تويتر، ذكّر فيها أوباما بإخفاق خطته للتأمين الصحي وهروب الوظائف من الولايات المتحدة وفشل استراتيجية القضاء على داعش.
بهذا المعنى هدفت عقوبات أوباما ضد روسيا إلى حصار الرئيس المنتخب ووضعه أمام خيارات صعبة في أيامه الأولى من ولايته. ففي حال لجوئه إلى القرارات الرئاسية التنفيذية التي يمنحها إياه الدستور الأميركي، لإلغاء العقوبات عن روسيا وتنفيذ خطته للتحالف مع الرئيس فلاديمير بوتين، فإنه سيدخل بمواجهة مباشرة مع الكونغرس الذي يجمع أعضاؤه من الحزبين الديمقراطي والجمهوري على ضرورة الرد على الاختراق الإلكتروني الروسي، والتحقيق في الدور المزعوم لموسكو بالتلاعب بالانتخابات الأميركية.
وعلى ترامب أن يخوض مواجهة أخرى مع 17 وكالة استخبارات وجهاز أمن أميركي، بينها وكالة الاستخبارات المركزية، ومكتب التحقيقات الفدرالي، أجمعت تقاريرها على تورط مسؤولين روس في عمليات التجسس على الحزب الديمقراطي.
ومن المنتظر أن يطلع ترامب على معطيات الأجهزة الاستخباراتية بشأن الاختراق الروسي، خلال الاجتماع الذي يعقده الأسبوع المقبل مع كبار المسؤولين في المؤسسات الأمنية.
ولا شك أن ما يزيد من وقع الضربة الجديدة التي تلقتها إدارة ترامب، أن العقوبات على الحليف الروسي المستقبلي تزامنت مع الصفعة التي تلقتها حكومة بنيامين نتنياهو، الحليف الإسرائيلي للرئيس المنتخب. وفيما يرجح أن يحول الكونغرس والمؤسسات الأمنية الأميركية دون اتخاذ الرئيس المنتخب قرارات تنفيذية سريعة برفع العقوبات عن موسكو، فإن كل الصلاحيات التي يمنحه إياها الدستور الأميركي لا يمكنها إلغاء قرار صدر عن مجلس الأمن الدولي، بتجميد الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة. إلا إذا بلغ عقاب الأمم المتحدة الذي لوّح به الرئيس المنتخب، وأنصار إسرائيل الكثر في الكونغرس الأميركي، حد حل المنظمة الدولية فقط لأنها أصدرت قراراً يدين إسرائيل.
وعلى غرار قرارَي أوباما بفرض عقوبات أميركية على روسيا، وعدم استخدام حق الفيتو الأميركي ضد القرار 2334 في مجلس الأمن، جاء قرار إدارة أوباما قبل أيام برفع الحظر عن تزويد فصائل المعارضة السورية بصواريخ مضادة للطائرات، الذي من شأنه أن يغير مستقبلاً في المعادلات العسكرية الميدانية، التي تميل حالياً لصالح الحلف الروسي الإيراني.
وهناك حديث عن أن أوباما في الأيام القليلة المتبقية من ولايته الرئاسية، سيتخذ قرارات مصيرية تفوق بأهميتها وخطورتها كافة القرارات والمواقف التي اتخذها خلال السنوات الثماني التي قضاها في البيت الأبيض.