بعد اختراق وكالة "قنا"... هكذا يعمل الجيش الإلكتروني الإماراتي

17 يوليو 2017
للإمارات جيش إلكتروني خاص (سيرغي كونكوف/Getty)
+ الخط -
بعد تقرير صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية الذي كشفت فيه عن وقوف الإمارات خلف قرصنة وكالة الأنباء القطرية (قنا) في الرابع والعشرين من شهر مايو/أيار الماضي، نستعيد هنا تقريراً لصحيفة "ذي إنترسبت" عن الجيش الإلكتروني الإماراتي، وطريقة عمله.


تملك الإمارات جيشاً إلكترونياً خاصّاً، تساهم شركة "دارك ماتر" بالجزء الأكبر منه، عبر قيامها، ليس فقط بعمليّات دفاعيّة، بل أيضاً بعمليّات هجوميّة إلكترونيّة.

ولإثبات ذلك، كانت صحيفة "ذي إنترسبت" الإلكترونية، قد نشرت تحقيقاً بعنوان "جواسيس للتأجير"، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حول الشركة الإماراتية المتخصصة بالأمن الإلكتروني، "دارك ماتر"، انطلاقاً من مقابلة العمل مع سيموني مارغاريتيلي التي "لم تسر على النحو المتوقع".

وأجرت التحقيق الصحافية جينا ماكلوغلين، واستهلته بالإشارة إلى حاجة الإمارات العربية المتحدة الماسة لخبراء في أنظمة المعلومات، كونها تؤسس بيئة تحتيّة مناسبة للمشاريع التكنولوجيّة الناشئة، فباتت تستقطب مهندسي تكنولوجيا المعلومات المحترفين من كافّة أرجاء العالم.

تبدأ الصحافية مقالها بالحديث عن مارغاريتيلي الذي وصل إلى دبي في يوليو/تموز الماضي، لإجراء مقابلة عمل مع شركة "دارك ماتر" المختصة بأمن الفضاء الإلكتروني والممولة تمويلاً جيداً، وتعرّف عن نفسها بأنّها مختصة بحماية المؤسسات الحساسة والمعقّدة، سواء الحكومية أو التابعة للقطاع الخاص.

وقالت إن مارغاريتيلي انخرط، سابقاً، في عالم "القبعات السوداء"، إذ كان أحد قراصنة الإنترنت الشغوفين باختراق الأنظمة الإلكترونية، قبل أن يستقرّ أخيراً كموظّف في إحدى شركات أمن الهواتف. هناك أيضاً ظلّ يمارس عادته، غير أنّه، هذه المرّة، كان يطارد الثغرات الأمنية لمساعدة الناس على تفاديها، وذاع صيته بعد أن ابتكر برنامجه الشهير "بيتركاب" Bettercap، الذي يعمل على تغيير مسار الاتصالات الخاصة بين الأفراد، واعتراضها لحماية بعض الأشخاص من هجمات محتملة.

حين وصل إلى الطابق التاسع والعشرين في "مارينا بلازا"، حيث كان مقرّراً عقد المقابلة من أجل وظيفته الجديدة، اقترح ممثّلو شركة "دارك ماتر" خطة متكاملة لنشر أجهزة إلكترونية في كافة أرجاء المدن الرئيسية في دولة الإمارات، والتي من المفترض أن يتحكّم فيها فريق من القراصنة، ثمّ يضمنون، لاحقاً، وصول كافّة المعلومات التي يرصدونها إلى الشركة المشغّلة ومستثمرها الرئيسي، وهي الحكومة الإماراتية، وفقاً للموقع.

وأبلغته الشركة أن العملية ستكون لغايات مرتبطة بـ"الأمن القومي" فحسب، أي فرضاً "لو أرادت الحكومة تعقّب شخص ما في أحد فنادق دبي، فسيكون فريق القراصنة قد نشر أجهزته الإلكترونية مسبقاً في ذلك المكان، ثمّ يصبح كلّ المطلوب هو الضغط على الزر حتى تصبح كلّ الأجهزة في ذلك المبنى مراقبة ومخترقة"، وفقاً لتدوينة على مدونة مارغاريتيلي الخاصة، لكنه رفض عرض العمل، وفقاً للصحافية.

في سياق متصل، اعتبرت ماكلوغلين أن "فكرة تجنيد جيش إلكتروني من الخارج من أجل القيام بمهمّات مراقبة جماعية تستهدف مواطني الإمارات قد تبدو فكرة خياليّة، لكن الأبحاث والمقابلات التي أجراها موقع (إنترسبت) المتخصّص منذ عدّة أشهر أظهرت أنّ شركة (دارك ماتر) كانت تقوم بذلك".

وأكدت أن "مارغاريتيلي لم يكن الوحيد الذي أصرّ على أن شركة (دارك ماتر) لم تكن صادقة بخصوص عملياتها وتوظيفها، فثمة أكثر من خمسة مصادر مطّلعة على أكثر من قسم داخل (دارك ماتر) أبلغت موقع (إنترسبت) أنّ الشركة، وفروعها، بدأت تسعى بقوّة وراء القراصنة المهرة، ومن ضمنهم أشخاص من الولايات المتّحدة الأميركية كذلك، لمساعدتها في تحقيق مجموعة من الأهداف الهجوميّة في ما يتعلّق بمجال الأمن الإلكتروني".

يرتكز عمل الشركة أساساً على استغلال الأجهزة الإلكترونية المثبتة (قد تكون سيرفرات الإنترنت المحلية وأبراج الاتصال الهاتفي وغيرها) عبر المدن الكبرى بهدف الرقابة، وملاحقة نقاط الضعف غير المكتشفة سابقاً في مجال البرمجيات، وبناء برمجيات خفيّة وزرعها من أجل التعقّب، وتحديد المواقع، واختراق أي شخص في أي زمان ومكان داخل الإمارات، وفقاً للموقع.

وأفادت الصحافية بأن العديد من الباحثين الذين تواصلت معهم شركة "دارك ماتر"، بمن فيهم مارغاريتيلي نفسه، أكّدوا أنّه قد تمّ إبلاغهم، بالتحديد، أنّهم سيعملون في مهمّات هجومية. وفي حالة مارغاريتيلي، على وجه الخصوص، كان هدف الشركة هو تثبيت مجموعة من الأجهزة الإلكترونية حول دبي، بما يشمل محطّات قواعد استقبال وإرسال (وهو نوع من المعدّات التي تسمح بالاتصال اللاسلكي بين الجهاز والشبكة)، وبالإضافة إلى ذلك، كان مشروع الشركة يقوم على نشر كاميرات مراقبة، ونقاط وصول لاسلكية، وطائرات من دون طيار.

وأشارت إلى أن تلك الأجهزة الإلكترونية سيكون بالإمكان تثبيتها بشكل سرّي أو عبر شركات الاتصالات، بعد موافقتها على الأمر، وسيصبح بوسع الحكومة، حينئذ، أن تزرع برمجيات هجومية داخل الأجهزة تكون قادرة على اعتراض وتعديل حركة المرور الرقمي على عناوين (آي بي) وشبكات (2 جي) و(3 جي) و(4 جي)، فيصبح أيّ شخص يحمل هاتفاً محمولاً، أو جهازاً للاتصال بالإنترنت، موصولاً بأحد الأجهزة الإلكترونية المزروعة في المكان.

وأضافت ماكلوغلين أنه خلال الأشهر الأولى من العام الحالي كانت عمليّة التوظيف داخل شركة "دارك ماتر" تجري على قدم وساق. وللمفارقة، ربّما، فإن الموظّفين الذين يملكون هويّة مكشوفة للعلن داخل الشركة هم القادمون من مؤسّسة الأمن القومي الأميركي بكافّة تفرّعاتها، إذ عمل أحد الموظفين الحاليين في الشركة سابقاً في وزارة الدفاع الأميركية محللاً متخصصاً بمجال الشبكة العالمية، وفقاً لحسابه على موقع "لينكد إن"، وكان موظف آخر عميلاً خاصّاً في قسم مكافحة التجسس لدى وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، كما أن أحد الموظّفين الآخرين ذوي الخبرة داخل الشركة كان مستشاراً فنّياً رفيعاً لوكالة الأمن القومي الأميركية، وقد شارك، بشكل محكم، في تصميم أنظمة الصوت والبيانات الأميركية.

وصرّح مارغاريتيلي وغيره من الأشخاص الذين أجروا مقابلات عمل للغرض ذاته للموقع، أن الشركة لم تكن هي المبادرة بذاتها لكلّ الوظائف التي يتمّ تعيين تلك "المواهب" من أجلها؛ فالمسؤولون عن عمليّات التوظيف في الشركة، كانوا قد تمكّنوا من الوصول إلى مجتمع أمن المعلومات العالمي، مقدّمين وعوداً بمداخيل عالية، ووظائف جذّابة ستركّز على عمليّات الدفاع الإلكتروني، وفقاً للموقع.

وزعمت الصحافية أن عدداً غير قليل من خبراء الأمن الإلكتروني ادّعوا عبر موقع "تويتر" أنه قد تم التواصل معهم من قبل مسؤولي توظيف، بمن فيهم الباحث الأمني والمحلل السابق في وكالة الأمن القومي الأميركي، تشارلي ميلر، والباحث الأمني في مختبرات "كاسبيرسكي"، فابيو أسوليني.

وأظهرت إحدى رسائل التوظيف الإلكترونية أنّ الشركة قدّمت عرضاً بحياة خالية من الهموم والضرائب في دبي، مع توفير السكن والطعام والعناية الصحية وتعليم الأطفال، والمواصلات، وكلّ ذلك بالمجّان، وذكرت أن الوظيفة كانت ثمرةً لشراكة شكّلت حديثاً بين القطاعين العام والخاص، ومن شأنها أن تكون مسؤولة عن تزويد حكومة الإمارات بالأمن الإلكتروني. رسالة أخرى ذكرت أن خطة شركة "دارك ماتر" كانت توظيف 250 من "عباقرة الأمن الإلكتروني" قبل نهاية عام 2016، وبعض العروض كانت تصل إلى نصف مليون دولار سنوياً، وفقاً لمضمون الرسائل التي نشرها "إنترسبت".

(العربي الجديد)

المساهمون