بطلي الصغير

02 ابريل 2015
... وأذكر ضحككَ وأنتَ تحاول التقاط فقاعات الصابون (Getty)
+ الخط -

الأزرق ليس من ألواني المفضّلة. لا بدّ من أنكَ تذكر ذلك. ذاكرتكَ تحتمل الكثير. نحن أمضينا ساعات في تلك اللعبة نتحدّث عن ألواننا المفضّلة، أنتَ وشقيقتكَ وأنا. وكنتَ تعيد السؤال ولا تملّ. أنا أيضاً لم أملّ من الإجابة، ولا من إعادة طرح السؤال نفسه عليكَ، قبل أن تجيبَ في كلّ مرّة بانفعالك المحبّب: "بلو".

أعرف جيّداً أنك لن تقرأ هذه الكلمات. كنتُ أتمنى لو تفعل. لا بأس. والدتكَ قد تنقل إليكَ سلامي في يومكَ هذا.

والدتكَ.. لا أعرف إلى متى تعود صلتنا. هل إلى زمن كنا فيه جنينَين، قبل أن تنتقل عائلة جدّيكَ من الحيّ.. أم إلى زمن تعرّفنا به إلى بعضنا، مراهقتَين. كان ذلك قبل زمن طويل.. في كلتا الحالتَين.

قبل نحو ثماني سنوات عندما شُخّصَت حالتكَ، تمنّيتُ لو أكون إلى جانب والدتكَ. لطالما شعرتُ بأنها تحت جناحَيّ، مذ كنا مراهقتَين. تمنّيتُ لو أخفّف عنها بعضاً من هول الواقع وأطمئنها بأنها ليست مسؤولة، لعلّها تتخلّص من عقدة ذنب تملّكت بها في ذلك الحين. لكن المسافة بين القارتَين بعيدة. وأذكر مكالمات هاتفيّة بيننا، حاولتُ في خلالها أن أنقل إليها بعض معلومات علميّة "موثوقة"، لعلّها تهدّئ قليلاً من هواجسها.

في ذلك الزمن، كنتُ أرغب لو تتقلّص المسافات لأضمّها بين ذراعَيّ، هي التي كانت تحتضنكَ على مدار الساعة. فأنتَ كنتَ تلازمها وترفض ابتعادها عنكَ، كأنكَ تأبى أن تكون غير ذلك الجنين الذي كان يحتمي في أحشائها.. كأنكَ تأبى أن يتمدّد عالمكَ إلى أبعد من حضنها.

وأشعر الآن برغبة عارمة في ضمّة منكَ. كلما أتذكّر الأيام القليلة التي نقضيها في إجازات الصيف معاً، أشعر بفائض الحنان الذي أحسّ به عند احتضانكَ. هي مجرّد ثوانٍ. أنتَ لا تحتمل أكثر من ذلك. لكنها كانت تكفي حينها لتجعلني أطير فرحاً.. وتكفيني اليوم لتجعلني أطير فرحاً بمجرّد استعادتها. فأنتَ بطلي الصغير.

بطلٌ أنت، تتحدّى التوحّد بابتسامة، بينما يخطف هو ابتسامات سواكَ من الصغار. تتحداه وإن لم تهزمه، بابتسامة لا أراها إلا نابعة من أعماقك، ولو صنّفها كل علماء العالم بـ "الآليّة". وأذكر ضحككَ وأنتَ تحاول التقاط فقاعات الصابون التي تلوّنت بأشعّة الشمس. هو ضحكٌ، اعتاد التوحّد كبته.

لم تكن هجرة والدتكَ إلى كندا في يوم، سهلة عليّ. ومذ تعرّفتُ إليكَ، راح الوداع في نهاية الصيف يؤلمني أكثر. لكن عزائي يبقى في أنكَ تعيش في بلاد تقدّم لكَ رعاية لائقة.. رعاية تستحقّها.

الأزرق ليس من ألواني المفضّلة. لكنني أعدكَ بأن أرتديه اليوم، إكراماً لكَ. فأنتَ تحبّه وهذا يومكَ الذي أراده منظّموه أن يكون بالأزرق.
المساهمون