بشير البكر.. عن سيرة "آخر الجنود"

21 فبراير 2020
(بشير البكر)
+ الخط -

طبقات من الذاكرة تتمثّل حنيناً إلى مكانه الأول في الجزيرة السورية، وتأمّلات في المدن والشعر والطريق، وصولاً إلى زمن التوحّش مع إبادة نظام لشعبه وتشريده بين المنافي؛ كلّها تؤثّث قصيدة الشاعر السوري بشير البكر (1956) الذي صدرت حديثاً مجموعته السابعة "آخر الجنود"عن "منشورات المتوسطضمن سلسلة "براءات".

كدأبه في التجريب والبحث عن شكل وأسلوب وحساسية جديدة منذ سبعينيات القرن الماضي، يكتب صاحب "عودة البرابرة" (2013) الشعر بصورٍ تتدفق لتكوّن مشهداً لا تغيب الحرب عن سرده لا يحفل بالضجيج والانفعال، إنما ينبني بإيقاع هامس ومؤثر معاً.

يرثي البكر اللحظة الراهنة المحمّلة بآلام السوري ومحنته الطويلة عبر فصول من القمع والمجازر لا تزال تداعياته تترى نحو نهاية لم تحسم بعد، فيكتب:
وكنَّا نظنُّ
أن أحداً سوف يَغسِلُ الملابسَ
المُلطَّخَةَ بالدَّمِ
ويرفو الثُّقُوبَ
التي تَرَكَها الرَّصاصُ
لكنّها ظلَّتْ مُعَلَّقةً فوقَ الحبالِ
بآثار البارود.

يشير الناشر في تقديمه إلى أن الشاعر "يُشيِّدُ في مجموعته الجديدة مُدناً من الخراب، يرتِّب الأنقاضَ بقصائد مؤلمةٍ، وذاكرة تعجُّ بأصواتِ القنابل والانفجارات، كأنَّ كلَّ نهايةٍ دمار، وما يأتي لاحقاً هو عدمٌ ولا شيء، فالمنافي الباردة، تزيدُ من الألم وتُعمِّقُ الجراحَ البعيدة. هنا تبدو العتبتان اللَّتان استهلَّ بهما الشاعر كتابه، بخلفيتِهما السوداء وبياضهما المؤلم، مهمِّتَيْن للمضي في رصدِ أنطولوجيا الحرب ومآسيها؛ وسيرة آخر الجنود، إذ يكتبُ: "الألمُ ذلك الشيءُ/ الذي لا يُسبِّبهُ أحد..." ويضيف: "ما عدا القنابلَ/ والأطلالَ/ والدمعةَ في العين/ لا شيءَ/ أيَّتُها البلاد".

سيرة آخر الجنود تتضمّن ملاحظات الشاعر ومراجعاته للسنوات التسع الماضية، وربما لماضي البلاد بأكمله، يسترجع تفاصيله الشخصية التي تلتقى مع وجع أشمل وأعمّ، ويدوّن مشاهداته لتجواله المستمر بين الأمكنة وسيرها المتشعبة، ويتذكّر أصواتاً وروائح وأشخاص تجتمع في قصيدته.

ويلتفت إلى وجه من وجوه المأسأة السورية، فيكتب: لا ترى ما يقرؤُهُ الصَّمتُ/ في كتابٍ أبيضَ بلا كلام/ يتحدَّثُ عن أطفالٍ من سُورية/ حاولُوا عُبُور البحرِ/ وطافوا هناك.

يبثّ البكر إحساسه المكثّف بغربته الطويلة واغترابه وأساه على الوجود، فتتراءى له بلاد غير قادر الوصول إليها، وملاذ غير قابل للتحقق إلا في الحلم، فيسجلّ في قصيدة "الحسكة": أيُّها الريفُ القصيّ/ لا تتحرَّكْ من هناك/ انتظرْني دائماً..

يُذكر أن بشير البكر كاتب وصحافي وشاعر سوري، من مواليد مدينة الحسكة. صدرت له ستُّ مجموعات شعرية هي: "معلقة الكاردينال"، و"قناديل لرصيف أوروبي"، و"أرض الآخرين"، و"ليس من أجل الموناليزا"، و"ما بعد باريس"، و"عودة البرابرة". وفي السياسة صدر له: "القبيلة تنتصر على الوطن"، و"القاعدة في اليمن والسعودية". وقد عمل في عدة جرائد وصحف عربية منذ عام 1980، وشارك عام 2013 بتأسيس صحيفة "العربي الجديد"، وكان رئيساً للتحرير حتى منتصف 2019. يعمل حالياً رئيساً للتحرير في قناة "تلفزيون سورية".

دلالات
المساهمون