بشرى خليلي.. طوبوغرافيا النضال

13 مايو 2015
لقطة من مادة الفيلم التوثيقية
+ الخط -

قد تبدو فكرة تجميع حركات التحرّر العالمية في مكان واحد، اليوم، ضرباً من الخيال، غير أن هذه الفكرة كانت واقعاً في مرحلة ما بعد الاستقلال في العاصمة الجزائرية. الفنانة المغربية الفرنسية بشرى خليلي تستعيد هذه الحقبة من خلال معرضها "وزارة الخارجية" الذي يستضيفه "قصر طوكيو" في العاصمة الفرنسية باريس، إلى جانب معارض متنوعة أخرى.

تعيدنا الفنانة، من خلال هذا المعرض، إلى الفترة الواقعة بين عامي 1962 و1972 حيث تحوّلت الجزائر العاصمة، بعد الاستقلال، إلى عاصمة للنضال العالمي. استقبلت المدينة، في تلك الفترة، عدداً من المناضلين وحركات التحرر من أفريقيا وآسيا وأميركا: كحركة الفهود السود، وحزب "ألدريدج كليفر"، وحزب المؤتمر الوطني الأفريقي "ANC" بزعامة نيلسون مانديلا، الحزب الأفريقي من أجل استقلال غينيا والرأس الأخضر "PAIGC" بقيادة أميلكار كابرال، وأيضاً الجبهة الشعبية لتحرير عُمان والخليج العربي، وطبعاً الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، إضافة إلى حركة فتح.

تواجهك عند دخول المعرض ست عشرة صورة ملوّنة من مقاسات مختلفة تبيّن الأماكن التي كانت مقرات للحركات التحررية، إضافة إلى لوحة تمثل خريطة طوبوغرافية للمدينة تظهر تموضع تلك الحركات. أما الفيلم (مدته 15 دقيقة) فيعرض بشكل مستمر في زاوية القاعة، وهو مقسم إلى جزأين؛ الأول بعنوان "جغرافيا" تشرح فيه الفنانة أماكن انتشار منظمات التحرر، والثاني يحمل عنوان "تاريخ" حيث تظهر فيه صور فوتوغرافية بالأسود والأبيض للمناضلين الذين مرّوا من الجزائر، بالإضافة إلى شرح قصصهم.

اعتمدت الفنانة، في تقديمها للفيلم، على حوارية سردية بين شاب وفتاة من الجزائر. يجلس الثنائي على طاولة طويلة، فيما تظهر مجموعة من صور المناضلين في الخلفية. يتناوب الشاب والفتاة على رواية أحداث تلك المرحلة المهمة من التاريخ الجزائري، متسائلين عن آثارها على الواقع اليوم وأسباب نسيانها من أبناء الجيل الحالي.

إن دراسة خليلي (1975) للسينما في جامعة "السوربون نوفيل" والفنون المرئية في المدرسة الوطنية العليا للفنون الجميلة في "سيرجي" عمّقتا علاقتها مع مفهوم الصورة بوصفها أداة تواصل ضمن نسيج علاقاتي معقد يشبك ما بين الجغرافيا المادية والوهمية. لذلك، من غير الإنصاف أن نضع الفنانة في خانة المخرجة أو المصوّرة الوثائقية فقط؛ هي أقرب هنا لأن تكون فنانة بصرية تصنع تجهيزات فنية توثيقية.

وكما في معارض الفنانة السابقة يعتمد هذا المعرض، الذي اختتم قبل أيام، على توثيق الشهادات والبحث المعمّق في الماضي وعلاقته مع الحاضر. "وزارة الخارجية" قراءة معاصرة للتاريخ من خلال التأمل في الطرق والأدوات المناسبة لإيصال روح المرحلة التاريخية، واختبار لإمكانيات السرد وصداه حين يقص علينا اليوم ما حدث في الستينيات.

دلالات
المساهمون