بريطانيا.. ودمج المهاجرين

27 يناير 2015
فرص تعليمية محفّزة للجاليات (Getty)
+ الخط -



تعرض لنا باتسي كوين، والتي قضت قرابة العشرين عاما في تدريس الكبار، وبصفة خاصة الجاليات الهندية والباكستانية، تجربتها الخاصة في تعليم اللغة، ومبادىء التكنولوجيا الحديثة،
 فقد أنيطت بها من قبل الحكومة البريطانية أعمالا ومهاما تتعلق بتوفير الدورات التعليمية والتدريبية الخاصة بهذه الجاليات، من خلال عدد من المعاهد والمراكز التعليمية.

وتبدأ الحكي عن تجربتها مؤكدة أن الحكومة البريطانية تولي ،منذ فترة طويلة، قضية دمج الأقليات والوافدين اهتماماً خاصاً نابعاً من الرغبة في أن يكون لبريطانيا مكانة متقدمة في السباق الاقتصادي بين الدول المتقدمة، وإدراكاً منها أن الوافدين قوة دفع هائلة من الناحية الاقتصادية، يمكن الاعتماد عليها في دفع عجلة الاقتصاد والتنمية، وبالتالي كان هناك اهتمام كبير بتوفير كل الوسائل الضرورية لتيسير دخول هذه الفئة سوق العمل، بصورة سلسة وسريعة عبر توفير المهارات والمعارف الضرورية، وبالتالي حظيت الدورات الخاصة بتكنولوجيا المعلومات وتوفير المهارات المتعلقة بها باهتمام عال. 

منهج تعليم الجاليات 
تستطرد قائلة: كانت مهمتي لفترة طويلة من الزمن تتمحور حول التخطيط الشامل لعملية توفير المهارات الأساسية من (لغات ـ تكنولوجيا المعلومات ـ مبادئ الرياضيات) للأقليات الوافدة إلى بريطانيا. وكان في أغلب الحالات يتم توجيهي إلى مناطق تقطنها أغلبية قادمة من شبة القارة الهندية (بنجلاديش ـ باكستان والهند)، وتعاملت معهم لسنوات طويلة، ما أكسبني معرفة ودراية جيدة بالثقافات والسلوكيات الخاصة بهم. فمن أهم الأمور التي تعلمتها على مدار تلك السنوات أن احترام الخصوصية الثقافية لكل فئة وكل أقلية أمر لا يمكن التغافل عن أهميته، أما الأمر الثاني الذي اكتسبته من التعامل مع هذه الجاليات، وبصفة خاصة التعامل مع كبار السن منهم، هو أن المدخل الصحيح لعملية التعلّم هو التعرّف إلى الاهتمامات والاحتياجات الشخصية للمتعلمين. فقد كنت أوفر لهم البرامج التدريبية في العديد من الأشكال، مثل ورش العمل القصيرة والدورات التقليدية، وزيارة الجاليات في أماكنهم والتدريس في مناطق وجودهم، كالمساجد والمراكز التابعة لها، والتعليم الالكتروني. 

بالنسبة للنساء من أعضاء الجالية الآسيوية، وجدت أن اهتماماتهن تتمحور حول فنون الحياكة والتطريز، وبالتالي كنت أقوم بتعليمهن كيف يجدن على الشبكة تصاميم جديدة، وكيف يعرضن منتجاتهن على الشبكة ببناء مواقع بسيطة، أو كيف يتصفحن تلك الفنون عن طريق تصفح اليوتيوب. 

أما بالنسبة للوافدات من منطقة الشرق الأوسط، فقد كن حريصات أشد الحرص على تعلّم أساليب التسويق لمنتجاتهن، ولا سيما أنهن كن في بعض الأحيان لا يتمتعن بحرية الحركة الكاملة. 
أما كبار السن من الرجال، فقد كان العديد منهم يهتمون بأمور مثل تدوين تاريخ العائلة لتوريث "الانتماء إلى البلد الأصلي"، وبالتالي كانت معظم مهارات الإنترنت يتم تدريسها من مدخل التعرف إلى مواقع لبناء شجرة العائلة، أو بناء مواقع ومدونات لجمع صور وخواطر أفراد العائلة. 

وتتمثل الاهتمامات التي اشترك فيها الجميع، في: 
التواصل مع الأهل في البلد الأصلي وتشارك الصور ومقاطع الفيديو، وبالتالي عندما انتشرت شبكات التواصل الاجتماعي كانت هذه من الدورات المفضّلة لدى الأقليات وكذلك التعرف على مواقع تشارك الصور، مثل "فليكر". 
أما الاطلاع على آخر الأخبار الخاصة ببلدهم الأصلي، فقد كان أيضاً من ضمن الاهتمامات المهمة. 
تؤكد باتسي أن التعرف على الاهتمامات والاحتياجات في واقع الأمر، ليس مدخلاً للعملية التعليمية فحسب، ولكنه المنهج الذي اتبعته لزيادة الحافزية نحو عملية التعليم، والتي ليس بالضرورة يكون المتعلّم مقتنعاً بجدواها في بداية الأمر. 

براد فورد والجاليات الآسيوية 
قمت لسنوات طويلة بإدارة مركز تعليمي في قلب المنطقة التي تقطنها الأقليات البنجلاديشية والباكستانية في مدينة براد فورد لتوفير مهارات اللغة الإنجليزية لغير الناطقين بها ومبادئ الرياضيات وكذلك تكنولوجيا المعلومات. 

كما قمت على مدار عدد من السنوات بعملية تدريس مجموعة من المعلمين المتحمسين والمقتنعين بأهمية هذا العمل، وأهمية دعم الفئات الأقل حظاً والوافدة حديثاً إلى بريطانيا، كان يصل إلى المركز العديد من النساء اللواتي وصلن إلى بريطانيا منذ فترة طويلة من الزمن، ولم يتعلمن اللغة الإنجليزية خلالها، وبالتالي كن يعانين من عدم قدرتهن على مساعدة أبنائهن أثناء إتمام الواجبات المدرسية، كما أن عدم معرفتهن بمبادئ الإنترنت حرمهن من التواصل مع الأهل والأصدقاء في الموطن الأصلي وزاد من إحساس العزلة لديهن. 

التعليم ومحاكاة الطيران 
كان المركز يحاول دوماً استخدام التقنيات الحديثة وبصفة خاصة الكمبيوتر، وبالتالي كان المتعلمون يتعلمون اللغة ومهارات التعامل مع الكمبيوتر في آن. 
أما المعلم الأبرز والأكثر شعبية، فكان أحد الباكستانيين المولع باستخدام الألعاب الإلكترونية، وبصفة خاصة تلك التي تحاكي عملية الطيران، فقد كان بصورة غير مباشرة يعلّم المتدربين كيفية استخدام الفأرة ولوحة المفاتيح والتصفح من دون أن يدروا أنهم يتعلمون، لأن اهتمام المتعلم يكون في إدراك كيف يطير بالطائرة في عملية المحاكاة هذه. 

دروس مستفادة 
للتعامل مع الجالية الآسيوية خصوصية كبيرة، وبالتالي فهناك العديد من الأمور التي تعلمتها واستفدت منها على المستويين المهني والشخصي، من الضروري أن يتم دوماً إدراك أن احترام الآخر - مهما كان مختلفاً - أمر لا يمكن التغافل عن أهميته. ولكن في النهاية، هناك قائمة من الدروس التي تعلمتها، وأحب أن أشاركها مع العاملين في المجال، من أهمها أنه لو حدث وتعامل أحد مع فئة مهمّشة أو مع طائفة من الوافدين أو اللاجئين، عليه أن يتذكر أن العملية التعليمية برمتها سوف يتوقف نجاحها على عدة عوامل أهمها: 

- اختيار المدربين ذوي الكفاءة والمتحمسين والصبورين، ولا بد أن تكون هناك لغة تواصل مشتركة بين المعلم والمتعلم. 
- بناء بيئة تعليمية محفّزة آمنة قريبة من المتعلمين وتراعي خصوصياتهم الثقافية والدينية (الاستفادة من المساجد بإذن القائمين عليها أو حتى توفير التعليم في البيوت أو مراكزهم أو نقاط تجمعهم، إن اقتضى الأمر). 
- استخدام التكنولوجيا لتحقيق هدفين في الوقت نفسه: تعليم اللغة أو المادة المراد التدرب عليها، مع اكتساب مهارات استخدام التكنولوجيا المتوفرة. 
- مراعاة ظروف المتعلمين من حيث مدة الدورة أو توقيتها. 

العملية التعليمية هي عملية معقدة، ولا تؤتي ثمارها إلا بعد فترة، إلا أن اكتساب ثقة المتعلمين (في بعض الأحيان ينظرون إلى مَن يأتي لهم ببرنامج تعليمي أو تدريبي نظرة ريبة وشك)، أمر في غاية الأهمية، ولكن يمكن القيام بالخطوات التالية: 
- التواصل مع "أصحاب الكلمة المسموعة" في الجالية والتوجه إليهم وإقناعهم بالبرنامج. 
- عدم إغفال أهمية دور النساء، وبالتالي العمل على الوصول إلى النساء "القدوة" في مجتمع الجاليات. 
- الاهتمام ببناء قاعدة من المعلمين والمدربين من الجنسية نفسها، ومواءمة البرامج حسب ظروفهم بقدر المستطاع. 
- تصميم برامج سريعة قصيرة محفّزة تتمحور حول الاهتمامات والاحتياجات الحقيقية لأعضاء الجالية.


المساهمون