بريطانيا بمؤتمر دعم سورية: الخطوط الحمراء والعجرفة الروسية والحل السياسي

23 ابريل 2018
تلعب بريطانيا دوراً محورياً في تنظيم المؤتمر وإدارته(فرانس برس)
+ الخط -
يُعقد في العاصمة البلجيكية بروكسل، يومي الثلاثاء والأربعاء، مؤتمر لدعم مستقبل سورية ودول الشرق الأوسط المجاورة، بإدارة كل من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، وبغياب الأطراف السورية.

ويهدف المؤتمر وفق مسؤول بريطاني، إلى تعزيز الدعم الإنساني والعملية السياسية في سورية، ويُعدُّ استكمالاً للجهود الدولية التي بدأت في مؤتمر لندن عام 2016، وجرت متابعتها في بروكسل 2017.

وأشار المسؤول أن بريطانيا تلعب دوراً محورياً في تنظيم المؤتمر وإدارته، سواء في الشقّ السياسي أو الإنساني، وتسعى إلى دفع الاجتماعات باتجاه عددٍ من الأهداف التي تدعم رؤيتها للحل في سورية.

وأوضح أنه فيما يتعلق بالشقّ الإنساني، تسعى بريطانيا إلى دفع المشاركين لتوفير الدعم المالي الذي يحتاجه اللاجئون والمهجرون السوريون في سورية وخارجها. وتعدُّ بريطانيا من أكبر الجهات الدولية المانحة للمساعدات الإنسانية في سورية، كما تسعى إلى أن توزع هذه المساعدات التي سيتمُّ التعهد بها خلال المؤتمر على المجتمعات الأكثر حاجة إليها، والتي غالباً ما تكون في المناطق التي يصعب الوصول إليها.

ويُضاف، وفق المسؤول نفسه، إلى النقطتين السابقتين، التأكيد البريطاني على دعم الدول المجاورة لسورية، والتي تستقبل أعداداً ضخمة من اللاجئين، ولا تستطيع بنيتها التحتية توفير الدعم لهم.

وأشار إلى أن المؤتمر سيعقد أيضاً ضمن سياق سياسي محدد، يعرف إطار هذا الدعم الإنساني الذي تقدمه وتدعمه بريطانيا. فلندن لا تزال ترى محاربة تنظيم "داعش" هدفاً أساسياً لها. وعلى الرغم من طرد التنظيم من أغلبية الأراضي التي كانت تحت سيطرته، يقر المسؤولون البريطانيون بضرورة توفير الظروف التي تمنع عودته من جديد.

وأضاف أن مسألة الهجرة تشكل هاجساً يؤرق الدول الأوروبية، وبريطانيا على رأسها، حيث تهدف سياسات هذه الدول إلى الحدّ من دخول اللاجئين إلى دولهم من خلال طرق عدة، منها تحسين ظروف معيشتهم في أماكنهم من خلال الدعم الإنساني المقدم.

وترى الحكومة البريطانية أن الأزمة السورية حالياً تشمل ثلاثة ملفات أساسية تسعى للتعامل معها. إذ تعتقد لندن أن الأعراف والقواعد الدولية التي تم العمل بها في العقود الماضية، تنهار وبشكل متسارع في سورية. مشيرة إلى أن استهداف المدنيين بشكل متعمد، والذي يأتي بجله من جانب نظام الأسد، يعد خرقاً للقوانين الدولية التي تمت صياغتها بعد الحرب العالمية الثانية لحمايتهم في زمن الحرب.

وأشار المسؤول البريطاني إلى أن هجمات مليشيات نظام الأسد استهدفت، وبشكل أساسي، المدنيين منذ بداية حملتها ضد التظاهرات السلمية في أول أشهر الثورة، وانتهاء بالاستهداف العشوائي لسكان المناطق المحاصرة والخارجة عن سلطة الحكومة المركزية في دمشق.

وتسعى بريطانيا في مؤتمر بروكسل إلى حماية طواقم الإغاثة العاملة في سورية من الاستهداف المباشر، حيث كانت المستشفيات ولا تزال من الأهداف الرئيسية التي تستهدفها الصواريخ الحربية السورية والروسية.

وينتظر من وزيرة التنمية الدولية، بيني موردونت، أن تقول في كلمتها غداً "إن المملكة المتحدة واضحة جداً بأننا سندافع عن القواعد الدولية التي تضمن أمننا جميعاً، وأرحب بالدعم العريض الذي تلقيناه من المجتمع الدولي، كعلامة على أننا لن نسمح لخروقات القانون الدولي بالمرور من دون عقاب".

وأوضح المسؤول البريطاني أن ما سبق يتماهى مع التحرك البريطاني العسكري كرد على استخدام نظام الأسد للسلاح الكيميائي في مدينة دوما السورية. فما انفك المسؤولون البريطانيون يشددون على أن الضربة العسكرية لمخازن السلاح الكيميائي منتصف الشهر الحالي، والتي ساهمت فيها بريطانيا ضد مؤسسات حول مدينة حمص، منفصلة عن المقاربة البريطانية للجهود الرامية إلى إيجاد حلٍّ سياسي للأزمة في البلاد، ولكن من دون نفي التبعات السياسية لذلك التحرك.

ووفقاً لذات المسؤول فقد أقر أخيراً العديد من السياسيين البريطانيين، ما عدا زعامة حزب العمال المعارض، بفشل استراتيجية نزع السلاح الكيميائي عام 2013، والتي عابتها الثقة التي منحها الغرب للجانب الروسي. فروسيا لم تفشل فقط في ضمان النزع التام للسلاح الكيميائي الموجود في جعبة الأسد، بل إنها حمته في المحافل الدولية، وخاصة في مجلس الأمن، عند استخدامه له مراراً وتكراراً، وهو ما أفشل سياسة "الخط الأحمر" التي وضعتها الدول الغربية حيال استخدام السلاح الكيميائي في سورية.

وبناء عليه يرى المسؤول، أن الضربة العسكرية أتت لصالح تثبيث هذا الخط الأحمر، ولكنها أيضاً جاءت مدفوعة لمواجهة العجرفة الروسية، والتي تعاني منها بريطانيا حالياً في الاعتداء الكيميائي ضد العميل المزدوج سيرغي سكريبال.

ولذلك تعمل بريطانيا، في إطار تحركها ضد استخدام الأسلحة الكيميائية، على تعزيز التحالف الدولي ضد استخدام هذه الأسلحة، وأيضاً من خلال دعم المبادرة الفرنسية الهادفة إلى تحديد الأفراد والمؤسسات المذنبين في الهجمات الكيميائية وملاحقتهم قضائياً. يضاف إلى ذلك تفعيل آلية التحقيق في استخدام الكيميائي، والتي عطلت تجديدها روسيا في مجلس الأمن في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.

وينتظر من بيني موردونت، وزيرة التنمية الدولية البريطانية، أن تقول "إن تجاهل روسيا الفاضح للأعراف الدولية والقوانين الدولية يهدد النظام العالمي الذي نعتمد عليه لأمننا جميعاً. إن استخدامها لحق النقض اثنتي عشرة مرة حول سورية يعطي الأسد الضوء الأخضر لانتهاك حقوق الإنسان وارتكاب الفظائع ضد شعبه".

أما المقاربة الأخيرة، فهي في ضمان العودة إلى الحلّ السياسي. إلا أن بريطانيا ترى في الحماية الروسية لنظام الأسد دافعاً له لاستمرار الحملات العسكرية، ومن الصعب رؤية أي تقدم في الحل السياسي من دون الضغط الروسي والإيراني عليه للدخول في المفاوضات بجدية. ويعد هذا الموقف تحولاً عما كان عليه الوضع مع انعقاد مؤتمر سوتشي، والذي أعطى بريق أمل بالاهتمام الروسي بالحل السياسي.

ومن هذه الناحية، تسعى بريطانيا لأن توضح للجانب الروسي أنه لن يتمكن من إدارة دولة سورية فاشلة سيحكمها نظام الأسد الحالي، وأنه حالما يستوعب الجانب الروسي هذه الحقيقة، فإن جهود الحل السياسي ستتلقى الدعم الذي تحتاجه.

وتعتقد بريطانيا، وفقاً لذات المسؤول، أن بشار الأسد غير قادر على توحيد البلاد مجدداً، حتى وإن تمكن من الانتصار كلياً على قوات المعارضة. وهكذا ستتحول سورية إلى دولة فاشلة فقيرة، وإلى أساس لعدم الاستقرار في المنطقة، وهو ما يرى البريطانيون أنه لا يصب في المصلحة الروسية. إلا أن الجانب الروسي يعاند هذه الحقائق، خاصة في ظل التوتر الدبلوماسي على خلفية قضية سكريبال، ما يزيد من العناد الروسي.

وأضاف المسؤول، انه في إطار انسداد أفق العمل الدولي في مجلس الأمن لدفع الحلّ السياسي في سورية، تعمل بريطانيا في مؤسسات مثل مجلس حقوق الإنسان، حيث لا يمكن للروس عرقلة عملها، كما تدعم آليات التحقيق في ارتكاب جرائم الحرب، بحيث حالما تنحل العقدة في مجلس الأمن، ستكون هذه الآليات جاهزة ومزودة بالأدلة للتعامل مع مجرمي الحرب.

وأشار إلى أن بريطانيا تمثل نفوذاً أكبر في صفوف المعارضة السياسية، حيث تمكنت مع حلفائها من دفع المنصات السورية المختلفة إلى تشكيل وفد موحد في الرياض، كما أنها حليفة لـ"قوات سورية الديمقراطية" في محاربة تنظيم "داعش" الإرهابي، وتدعم الجهود الرامية إلى تكوين مجالس محلية ديمقراطية في المناطق التي تسيطر عليها هذه القوات التي يعد عمادها تنظيم "قوات حماية الشعب" الكردية.

واختتم المسؤول البريطاني تصريحاته، بالتأكيد على أن لدى البريطانيين قلقاً من أجندة التنظيم الكردي، خاصة في المناطق العربية، إضافة إلى نزعته التفردية في السلطة في المناطق التي يحكمها. ومن هذه الناحية، ترى بريطانيا أيضاً ضرورة وجود تمثيل للأحزاب الكردية، يعادل وجودهم على الأرض، وبما يعمل أيضاً على نزع فتيل المخاوف التركية.

 

 

 

المساهمون