بريطانيا: التعليم المجاني الجيّد.. للأغنياء فقط

07 سبتمبر 2014
تلميذات بريطانيات في بداية العام الدراسي (دان كيتوود\ Getty)
+ الخط -

يخلق النظام التعليمي في بريطانيا، نوعاً من انعدام تكافؤ الفرص، بين العائلات الثرية والمتوسطة من جهة، والفقيرة من جهة أخرى.

ويرتبط التحاق التلميذ بمدرسة حكومية جيدة، بمكان إقامته. الأمر الذي يدفع بعض العائلات إلى تغيير أماكن إقامتها، واقتناص الفرصتين: الإقامة الراقية والمستوى التعليمي المجاني الجيد.

فالمدارس الحكومية البريطانية تعتمد في قبول التلاميذ، على الرمز البريدي الخاص بعنوان سكنهم. فإن كان قريباً منها قبلت التلميذ، وقدمته على سواه. أما إذا لم يكن كذلك، فإنّ فرصه على الأرجح قليلة.

يهدف النظام التعليمي في بريطانيا، في الأصل، إلى تأمين فرص متساوية أمام الجميع للالتحاق بالمدارس الحكومية. لكن النظام لم يكشف للجميع أن ثمّة مدارس حكومية أفضل من غيرها. ولم يكشف أن التفاوت في المستوى التعليمي واضح جداً بين المدارس الحكومية في مناطق مختلفة من بريطانيا.

ويكشف تقرير صادر عن مصرف لويدز، انعدام التوازن بين تلاميذ الطبقة الفقيرة والطبقة المتوسطة، على مستوى اختيار المدرسة وبالتالي على مستوى التفوق العلمي.

فبعض العائلات المتوسطة تنتهج إستراتيجية استئجار شقق قريبة من المدرسة الجيدة، تساعدهم في حجز أفضل الأماكن المجانية لأولادهم. ويدفع هؤلاء ما يعادل 21 ألف جنيه إسترليني (35 ألف دولار أميركي) زيادة عن المبلغ الأساسي للشقق أو البيوت في هذه المناطق، كي يضمنوا الإقامة بالقرب من أهمّ ثلاثين مدرسة ثانوية في إنكلترا.

ومع اعتماد عنوان السكن في اختيار التلاميذ تزداد حظوظ التلميذ في التعليم الجيد كلما اقترب من المدرسة أكثر. عائلات أخرى تذهب أبعد من ذلك، من خلال شراء مساكن بسعر إضافي يصل إلى نصف مليون جنيه إسترليني (829 ألف دولار أميركي)، من أجل تأمين حصول أولادهم على مستوى تعليمي جيد، ومجاني. وهو ما يحصل في منطقة باكنجهام شاير القريبة من مدرسة بيكونسفيلد، ذات المستوى التعليمي المتفوق.

هذا الأمر يضعف فرص التلاميذ الذين لا تتمكن عائلاتهم من تغيير عنوان سكنها. وبدراستهم في ثانويات ذات مستوى تعليمي أدنى، تضعف كذلك فرص التلاميذ الأفقر في الدخول إلى جامعات جيّدة بعد التخرج.

وكانت إحصاءات حكومية بريطانية أشارت إلى ارتباط ارتفاع أسعار السكن بالرمز البريدي لأفضل ثلاثين مدرسة ثانوية في البلاد.

وما يثير القلق، هو احتكار المدارس الحكومية الجيدة من قبل العائلات الموسرة مقابل منع الفرص الجيدة للتلميذ الفقير، من دون أيّ تحرك يذكر من جانب الحكومة والمنظمات التعليمية ضد هذا الاحتكار.

والأمر نفسه حذّرت منه دراسة صادرة عن مصرف "لويدز". فقد كشفت عن عجز أصحاب الدخل المحدود، عن شراء منزل بالقرب من أفضل المدارس الحكومية، مع إقدام المزيد من العائلات المتوسطة الدخل على استغلال نظام المدارس الحكومية لصالحها.

فتلك العائلات تقيم في جوار المدارس ذات السمعة الحسنة على صعيد البلاد. وبذلك يوفر الأغنياء المال، ويحظى أبناؤهم بالتعليم الجيّد في الوقت عينه.

ولم تأت هذه الأرقام والإحصاءات الحديثة من فراغ، بل ارتكزت كذلك على دراسات سابقة تحدثت في الإطار نفسه. ففي دراسة سابقة، أجراها بول شيشاير من "مدرسة لندن للاقتصاد" وستيفن شيبارد من "جامعة ويليام"، يبرز شراء 490 منزلاً في منطقة ريدينغ عامي 1999 و2000.

ومعظم من اشتروا هذه المنازل سجلوا أبناءهم في المدارس الابتدائية والثانوية القريبة من محل إقامتهم. وخلصت الدراسة إلى أن وضع التلاميذ الفقراء، يقلص فرص التحاقهم بالمدارس الحكومية. كذلك فإن عجزهم عن دفع أقساط المدارس الخاصة أو الإقامة بالقرب من المدارس المجانية المهمّة، يقلص فرصهم المستقبلية في الحصول على تعليم جامعي مرموق.

من جهته، دعا مدير البحوث في "المؤسسة التعليمية الخيرية" في منطقة ساتين كونور راين، إلى تبنّي منهاج قبول أكثر إنصافاً في المدارس. وذلك من خلال اعتماد سياسة "التوزيع العشوائي" كجزء من نظام القبول، ما يوفّر المزيد من الفرص لتلاميذ العائلات الفقيرة.

ومن التحركات الحكومية الطموحة في هذا الإطار، اقتراح تقدمت به للمدارس الحكومية، في منح فرص متساوية للفقراء مقارنة مع ذوي الدخل المتوسط. لكن ذلك سيتم مقابل دفع الحكومة مبلغ 1300 جنيه إسترليني (2155 دولاراً أميركياً) عن كل تلميذ في المرحلة الابتدائية، و935 جنيهاً (1550 دولاراً) عن كل تلميذ في الثانوية.

المساهمون