برنامج إيران النووي.. مفاهيم خاطئة عن زمن "الاختراق"
بعد مئات الساعات من المحادثات بين إيران والقوى العالمية الست، تبدو ملامح اتفاق نووي أكثر وضوحاً. ففي حال نجاح المفاوضات، سيترتّب على الكونغرس الأميركي الحكم عليها من خلال مقياس واحد: زمن "الاختراق". وهو مقياس المدة الزمنية الأدنى التي ستحتاجها إيران لإنتاج 25 كيلوغراما من اليورانيوم عالي التخصيب، أو ما يكفي لسلاح نووي واحد، إذا ما قرّرت طهران بناءه. وبالتالي، سيرغب أعضاء الكونغرس في معرفة المدة الزمنية اللازمة لإيقافها.
مدى قرب إيران من صنع قنبلة، معيار بسيط وجذّاب، لا سيما بالنظر إلى التعقيدات التقنيّة في المفاوضات، إلا أن هنالك ستة مفاهيم خاطئة شائعة، تجعل من مفهوم زمن الاختراق مقياساً مضلّلاً للتهديد المحتمل.
أولا: زمن "الاختراق" يقيس المدة الزمنية التي ستستغرقها إيران لبناء سلاح نووي
ليس بالضبط. زمن "الاختراق" هو الوقت اللازم لإنتاج المواد الانشطارية لصنع القنبلة، وليس القنبلة نفسها. فبعد تخصيب ما يكفي للسلاح من غاز سداسي فلوريد اليورانيوم، ستحتاج إيران بعدها إلى تحويلها إلى مسحوق، ثم إلى نواة معدنية، قبيل تجميع المواد المتفجرة حول النواة وتركيب السلاح في مقدّمة المخروط. تستغرق هذه العملية ما بين 6 و18 شهراً إضافياً، معتمدة على مدى تقدّم إيران في أبحاثها التسليحية المزعومة. حتى لو نجحت إيران من المرة الأولى، ستحتاج إلى اختبار قنبلتها، مع العلم أنّ من أصل تسعة بلدان التي قامت بتطوير أسلحة نووية، ثمانية بلدان قامت باختبارها علناً، بينما يُعتقد أن التاسعة، وهي إسرائيل، قامت بذلك سراً في المحيط الهندي من القطب الجنوبي.
ثانياً: تقدير زمن "الاختراق" دقيق
على العكس من ذلك، زمن الاختراق النووي يُقدّر ولا يُحسب. فقد يصل عدة خبراء مستخدمين المعطيات نفسها إلى أطر زمنيّة مختلفة، كما أنّ هنالك اختلافات نوعيّة في النتائج، فنتائج الولايات المتحدة تعدّ أكثر تحفظاً من التي توصل إليها بعض الحلفاء الأوروبيين.
تتفاوت هذه التقديرات، بناءً على متوسط كفاءة أجهزة الطرد المركزي، إضافة إلى ثلاثة معايير زمنيّة: المدة اللازمة لتحويل اليورانيوم الطبيعي، من خلال عمليّة كيميائيّة، لمواد خام من سداسي فلوريد اليورانيوم، والمدة اللازمة لإعادة تجهيز "شلالات" أجهزة الطرد المركزي الحالية لتخصيب اليورانيوم إلى درجة تتيح صنع الأسلحة، والمدة اللازمة لإعادة تدوير النفايات. علاوة على ذلك، غالباً ما تقدم تقديرات الاختراق أسرع جدول زمني ممكن، حيث تفترض أن إيران ستنجح من أول محاولة، ومن دون أي مشكلات تقنيّة، في بناء "شلالات" أجهزة طرد مركزي مثالية، تعمل بكامل طاقتها، وهذا غير وارد لبلد مر بعقبات تقنيّة عديدة على مدى العقود الستة الماضية.
ما هو أهم من ذلك أن قدرة إيران على الاختراق النووي وحدها تتجاهل حقيقة أنّ قنبلة واحدة لن تكفي كسلاح رادع. ولو فرضنا أن إيران تحتاج على الأقل إلى مواد لصنع قنبلتين، فإن تقدير زمن الاختراق سيتضاعف. ولو فرضنا أن إيران ترغب في ترسانة صغيرة كغيرها من الدول النوويّة، فإن هذه التقديرات ستتضاعف مرّات.
ثالثاً: قدرة الاختراق تعرّف بعدد أجهزة الطرد المركزي
مفهوم خاطئ تماماً. عدد أجهزة الطرد المركزي يجذب الانتباه الخاطئ، إضافة إلى أنّه عامل واحد في العمليّة المعقدة لتحديد زمن الاختراق، فهنالك عناصر أخرى تشمل نوع أجهزة الطرد المركزي وكفاءتها، والتهيئة لترابط الأجهزة ومستوى التخصيب وكميتها المخزّنة. كما ترتبط بعض هذه العناصر بشكل عكسي أيضاً. فمثلاً، ثلاثمائة جهاز طرد مركزي مع مخزون 6000 كغم من اليورانيوم المخصب بنسبة 5٪، سيولد زمن الاختراق نفسه الذي يقوم به ستة آلاف جهاز طرد مركزي مع مخزون 300 كغم.
رابعاً: الاختراق مسار إيران الأكثر احتمالاً للتسلّح
مفهوم مضلل تماماً، فقد قيّمت أجهزة الاستخبارات الأميركية، منذ زمن طويل، وكما تجلى في عدة تقديرات للاستخبارات الوطنية، أن إيران لن تسعى إلى صنع قنبلة نووية في المنشآت النووية التي يتم رصدها بشراسة. بدلاً من ذلك، تعتقد واشنطن أن إيران "ستتسلّل" إلى منشأة سريّة للقيام بذلك. فعلى مدى العقدين الماضيين، كان هذا سبيل معظم الدول التي رغبت في صنع الأسلحة النووية، ومنها كوريا الشمالية والعراق وسورية وليبيا ورومانيا، ولو بدرجات متفاوتة من النجاح. كلا المفاعلين في ناتانز وفوردو بدآ سرّاً، ولم يتمّ الإعلان عنهما إلا لاحقاً، بعدما كشفتهما وكالات الاستخبارات الغربية. ومن هذا المنطلق، يقود التشبث بزمن الاختراق إلى تشتيت التركيز على الخطر الحقيقي، وهو التسلّل. وبالتالي، بهذا التشبّث، نهمل متطلبين رئيسيين لمواجهة الخطر، هما: الشفافية والرصد.
خامساً: زمن اختراق أقصر سيقلل من قدرة الولايات المتحدة على وقف سباق إيران للتسلح.
غير صحيح. ضمن جميع الاتفاقات النهائية التي يمكن تصورها، فإن اكتشاف أي أثر من اليورانيوم المخصب بدرجة أعلى من تلك المدنية، سيقرع أجراس الإنذار حول نيات إيران في التسلح. بينما يرى المشككون في هذا التوجه أن وجود إثباتات كهذه ستكون غامضة، وستحتاج إلى تحليلات طويلة الأمد. إضافة إلى ميول الغرب لتفادي مواجهة مع إيران، ستجعل الحشد لاتخاذ إجراءات صارمة في الوقت اللازم مستحيلة، إلّا أنّ درجة التخصيب اللازمة لصنع قنبلة تحتاج تحقيق اختراق جريء وسريع، ما سيزيد من احتمالات كشفه بسرعة من المراقبين.
إضافة إلى ذلك، فإنّ وجود إثبات كهذا سيسرّع، وإلى حد ما سيضفي شرعية على اتخاذ رد حازم، وهو ما قد تكون الولايات المتحدة وإسرائيل قد استعدتا له منذ فترة، وعلى نطاق واسع. وبالنظر إلى الوجود العسكري الأميركي في الخليج، يكون من السهل توجيه ضربات جويّة خلال أيام، بحضور مباركة دولية أو بغيابها. إن وجود قدرة عسكريّة قادرة على الرد بحزم وسرعة يهمّش أهميّة وجود 6 أو 12 أو 24 شهراً لزمن الاختراق.
سادساً: ستصنع إيران قنبلة نووية إذا كان زمن الاختراق قصيراً بما فيه الكفاية
مفهوم مثير للسخرية. فخلال الأربع سنوات الأخيرة، كان الحد الأدنى لوصول الاختراق أقل من ستة أشهر، لم تهرع إيران إلى التسلّح. إذا كانت طهران تريد، فعلاً، الوصول إلى اختراق نووي، لماذا قبلت باتفاق يطيل زمن الاختراق، كما يجبرها على تقديم مزيد من الضمانات وقبولها بمزيد من المراقبين؟
منذ عام 2007، قامت أجهزة الاستخبارات الأميركية بتقييم إيران على أنها تملك القدرات العلمية والتقنية والصناعية لإنتاج أسلحة نووية، إذا ما قرّرت ذلك. ولكن، وجود قرار سياسي للمضي قدماً مسألة مختلفة. إذا توصّل قادة إيران إلى استنتاج أن بقاء إيران يعتمد على تطويرها سلاح الردع الأقوى، قد تحذو حذو باكستان التي كانت مستعدة لتحمّل عقوبات قاسية من أن تعيش تحت ظل النووي الهندي.
ما وراء المقاييس التقنية لاتفاقٍ نووي، يبقى السؤال الذي يواجه القوى الغربية كيفية صياغة تصور طهران التهديدات المحيطة بها؟ ومن هذا المنطلق، فإنّ التعامل مع إيران في أمور أشمل كالاقتصاد والسياسة والأمن يصبح أكثر أهميّة من قضيّة إطالة زمن الاختراق.