برلين: سوق الأدوات المستعملة يتحدّى الرأسمالية

10 نوفمبر 2014
يتحول السوق إلى كرنفال فرح كبير (Getty)
+ الخط -

بدا الانقسام واضحاً بين قسمي المدينة في طبيعة العمران، حيث الأبراجُ الشاهقة الفارهة النظيفة في القسم الغربي، والبيوت الخفيضة المتَّسِخة في القسم الشرقي منها. بالإضافة إلى كثرة وجود الأجانب في القسم الشرقي، بمقابل ندرتهم في الجانب الغربي. كما أن ثمة علامة أخرى مميزة وهي القطارات التي تمشي فوق الأرض شرق المدينة، في حين أنّها تحت الأرض في غربها.
ولعلَّ أهمَّ حدث أسبوعي يحصل في برلين، ويكثّف هذا الصراع الخفي الظاهر، هو سوقُ الأدوات المُستعملة أو ما يسمى بـ "فلو ماركت" الذي يقع في منطقة "ماور بارك" في القسم الشرقيّ. انطلق هذا السوق تاريخياً كمبادرة من ناشطين يساريين وماركسيين وشيوعيين، ويتمُّ فيه تشجيع الناس على بيع أدواتهم المستعملة وأغراضهم القديمة بدلاً من إتلافها ورميها. أتت فكرة السوقُ احتجاجاً على الأسواق الرأسمالية الضخمة في القسم الغربي من المدينة، حيث الأسعارُ المرتفعة والأبنية الفارهة والثياب النظيفة والماركات الشهيرة، على عكس سوق الأدوات المستعملة، حيث الثياب المرقعة والأغراض المستعملة والمقتنيات البسيطة.
يتحول السوق كل أسبوع إلى كرنفال فرح كبير، من احتساء البيرة، إلى حفلات الرقص والغناء. ولعلّ أهم حدث يحصل ضمن السوق هو مسرحُ الغناء الجماعي، حيث يدفع كل شخص مبلغاً زهيداً من المال مقابل إلقاء أغنية بصوته أمام حشد غفير من الجمهور، ليتفاعل الناس معه بالتصفيق والصفير وعبارات المديح. مسرح الغناء الجماعي هو أيضاً نتيجة احتجاج على مركزية الفن، وإنزاله من شركات الإنتاج الضخمة إلى الجمهور العادي اليومي.
التجوُّل في سوق الأدوات المستعملة في برلين جولةُ مرحٍ حقيقية، فقد اشتريتُ كتاباً مستعملاً لكاتب القصة الألماني غونتر غراس، وأثناء تصفُّحي للكتاب رأيتُ صورةً فوتوغرافية لصاحب الكتاب السابق مع كلبه، وعلى الصورة قطرات صفراء، خمّنت لاحقاً أنها ربما تكون دموعه. أن يشاركك آخر آلامه وذكرياته عبر مقتنياته الحميمية وصوره الخاصة، أليس هذا جوهر الاشتراكية؟!
دلالات
المساهمون