واحتج عدد من الحاضرين عن تغييب البرلمان للرئيس السابق باعتباره أحد الرؤساء الثلاثة الذين وقعوا وثيقة الدستور في 27 يناير/ كانون الثاني 2014، في وقت حضر مصطفى بن جعفر رئيس المجلس الوطني التأسيسي (أول برلمان انتخب بعد الثورة)، ورئيس الحكومة الأسبق علي العريض باعتباره عضو البرلمان الحالي.
ووصف نواب مؤسسون وآخرون من مجلس النواب الحالي تغييب المرزوقي بـ"الخطأ الفادح والمطبّ السياسي الذي يمثل فضيحة في مناسبة احتفالية مماثلة، تترجم مخاوف انتخابية وصراعات حزبية لا تتلاءم مع ما بُني عليه دستور الثورة من توافق وتسامح".
وقال القيادي بحزب "حراك تونس الإرادة" إبراهيم بن سعيد، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنه "لا يمكن لأحد أن يمحو أثر الرئيس المرزوقي وبصمته في إنجاح المسار الديمقراطي، ولا في نجاح الانتقال السياسي في التجربة التونسية"، مشيراً إلى أن "محاولات إقصائه غير ذات جدوى، لأن التاريخ مكتوب، والشعب يتابع بكل انتباه ما يحدث".
وشدد رئيس البرلمان محمد الناصر، في كلمته، على ما أقرّ من تشريعات ومؤسسات دستورية خلال فترة عمل مجلس النواب، الذي قال إنه "نجح في المصادقة على قوانين في إطار تنزيل روح الدستور الجديد، من بينها مجلة الجماعات المحلية التي نظمت عمل البلديات والسلطة المحلية، وقانون القضاء على التمييز العنصري ومناهضة العنف ضد المرأة، وعشرات القوانين الجديدة".
وركز الناصر على ما أسس له دستور الثورة "من روح توافق وتكريس للحقوق والحريات والمبادئ والقيم الديمقراطية، وما بني عليه من فصل بين السلطات وتكامل بينها".
من جانبه، قال رئيس المجلس الوطني التأسيسي مصطفى بن جعفر إنّه "على الرغم من توفّق مجلس نواب الشعب في المصادقة على عدد من القوانين الهامة، على غرار قانون المجلس الأعلى للقضاء وقانون القضاء على العنف ضد المرأة، إلا أنه لم يتوفق بعد في تركيز المحكمة الدستورية، وهو ما يبعث على الانشغال".
وأشار في مداخلته حول "بناء دستوري جديد من أجل تعزيز دولة القانون والمؤسسات" إلى أنّ "هذا الانشغال ينسحب أيضاً على موضوع الهيئة العليا المستقلة للانتخابات التي لا بدّ من استكمال انتخاب أعضائها".
واعتبر القيادي بحزب "حراك تونس" عمر الشتوي، رئيس لجنة السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والعلاقة بينهما بالمجلس الوطني التأسيسي، أن "دستور 2014 اختار المنهج المزدوج تعليلاً للطبيعة الانتقالية التي تمر بها البلاد، والتي تتميز في جميع التجارب المقارنة بعدم استقرار الرأي العام وهشاشة الأوضاع الحزبية وهاجس عودة الاستبداد".
وأوضح الشتوي أن "النظام المختلط يعني اشتراك رأسَي السلطة التنفيذية في سبعة مجالات في تشكيل الحكومة وإقالتها، وفي السياسة الخارجية والمراسيم، وحق الرد، وفي التعيينات والمناصب العليا، وفي حل البرلمان، وفي رئاسة مجلس الوزراء".
واعتبر أن "توازن السلطات هو محصلة تحرر السلطات من القيام بوظائفها دون خوف، ودستور 2014 استطاع تفكيك منظومة الخوف وضرب مفاصل الحكم الفردي". وأوضح أن "ضرب مصادر الخوف تمكن النائب من أداء دوره التشريعي والرقابي دون خوف، إضافة إلى استقلالية القاضي ورجل الإعلام".
كما أكد أن "الفصل بين السلطات ساهم في التقليص من صلاحيات السلطة التنفيذية، من خلال بروز الهيئات الدستورية التي تكرس نزاهة وشفافية الحكم، وتوسيع دائرة المشاركة الشعبية في الحكم"، مشدداً على أن "تحقيق نظام توازن السلطات لا يعد كافياً، بل يجب إتمام التشريعات الضرورية وممارسة حكم سياسي عادل".
من حانبه، أشار العميد فاضل موسى رئيس لجنة القضاء العدلي والإداري والمالي والدستوري بالمجلس الوطني التأسيسي، إلى أن "تنزيل الدستور يجب أن يتلاءم مع قيم الثورة، وأن يتجلى على مستوى تنزيل الأحكام المتعلقة بالمنظومة السياسية والقضائية والتشريعية للبلاد، وطالما أن بعض الأحكام الانتقالية ما زالت سارية المفعول فإن زمن نفاذ كامل الدستور مازال متواصلاً".
وبين موسى بخصوص تنزيل الأحكام المتعلقة بالمنظومة السياسية وعدم تحقيق الاستقرار السياسي، أن "الدستور ليس عائقاً أمام تحقيق ذلك، بل العائق يكمن في الطبقة السياسية من أحزاب وقياداتها وكتل برلمانية"، معتبراً أنه "من غير المجدي التفكير في تعديل الدستور لترشيده لتحقيق الاستقرار الحكومي، خاصة في ظل غياب محكمة دستورية".
وشدد موسى على أن "الحل اليوم للخروج من هذا المأزق السياسي هو تعديل القانون الانتخابي، إلى جانب مراجعة نظام هيئة الانتخابات".
ورجح أن هذا التأخر في البت في هذه المشاريع يعود إلى "مسائل تنظيمية وسياسية في بعض الأحيان"، داعياً إلى "ضرورة تحديد استراتيجية واضحة لإصدار القوانين الأساسية المتصلة بإكمال وتنزيل الدستور".
وفي مداخلته، اعتبر قيادي الجبهة الشعبية المنجي الرحوي أن "الحقوق والحريات في الدستور يمكن أن تكون في أحلى صورة، لكن الهوة بين ما يكتب وبين لسعة البرد التي يعيشها المواطن وألم الجوع وألم الحرمان وظروف النقل والصحة العمومية والتعليم".
لم يتوقف الصراع في تونس بعد مرور خمس سنوات على المصادقة على الدستور الجديد بين الراغبين في تعديل الدستور، وبين حماة النظام السياسي والقانوني الذي فرضه "دستور ثورة الحرية والكرامة".