أقرّ مجلس النواب المصري اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، والتنازل عن جزيرتي "تيران وصنافير" للرياض بصورة نهائية، الأربعاء، وسط هتافات "مصرية" و"باطل" من النواب الرافضين للاتفاقية، والذين اتهموا رئيس البرلمان، علي عبد العال، بمخالفة اللائحة، عبر رفضه اعتماد الطلب المقدم من نحو 150 نائباً بالتصويت عبر المناداة بالاسم، وأخذ التصويت برفع الأيدي.
ودخل عدد من النواب في موجة بكاء حادة في القاعة، فور تمرير الأغلبية للاتفاقية، في حين احتشد آخرون أمام مكتب عبد العال، لتقديم طلب بإعادة المداولة، بعدما سارع فور التصويت للجوء إلى مكتبه، خوفاً من غضبة النواب.
وقال ممثل حزب الأكثرية (المصريين الأحرار)، علاء عابد: "ليس من المعقول أن يفرط الجيش المصري في تراب بلده، بعد تصديه لمخطط تقسيم سيناء".
وكان رئيس ائتلاف الغالبية النيابية (دعم مصر)، محمد السويدي، قد أعلن، بدوره، موافقة الائتلاف على تنازل مصر عن جزيرتي "تيران وصنافير" للسعودية، قائلاً "كُتب علينا اتخاذ القرارات الجريئة من جراء الملفات التي ورثناها من الحكومات السابقة.. وملف الاتفاقية من أصعب الملفات التي يتخذ فيها البرلمان قراراً".
وأضاف السويدي أن "الاتفاقية حسمها القرار الجمهوري الصادر في 27 يناير 1990، وأقر بسعودية الجزيرتين"، وفق قوله، مشيراً إلى أن "النواب يدركون جيداً أنهم سيخسرون شعبياً من جراء هذا القرار، ولكن الأمانة تتطلب إعادة الجزيرتين إلى السعودية".
وأشار السويدي إلى أن الاتفاقية تمسّ الأمن القومي للاقتصاد المصري، مثلما حدث بترسيم الحدود البحرية مع قبرص، والاستفادة منها في اكتشافات الغاز، متابعاً: "المصريون لا يسرقون مال أحد، والقوات المسلحة هي أول من دافعت عن الاتفاقية، ونحن معها".
وقال النائب المعين، السيد فليفل، إن النظام الحالي يتولى البلاد في ظرف تاريخي منذ 3 يوليو/تموز 2013، خاصة على صعيد العلاقات الدولية، مضيفاً "نجلس في هذه القاعة، لأن مصر بها رجل السيسي، ولدينا جيش قوي في وقت تفككت فيه جيوش، وغابت دول، والدولة المصرية ليست التي تمرق من القانون الدولي".
وعن الدور الإسرائيلي في الاتفاقية، قال فليفل: "نجحنا في حصار الجماعات الإرهابية (الإسلامية)، وأرفض من يقول إن مصر وقعت الاتفاقية لصالح إسرائيل، فمصر الأزهر تعمل لصالح العروبة، ولا يمكن أن تعمل لصالح إسرائيل، ومن يتهمنا بالخيانة هم الخائنون".
وأشار ممثل "حزب النور" السلفي، محمد صلاح خليفة، إلى أن الدستور حظر على الكافة، سواء رئيس الجمهورية أو البرلمان، التنازل عن أي جزء من إقليم الدولة، إلا أن نقل تبعية الجزيرتين لا يعد تنازلاً عنهما، لأن مصر مارست السيادة، وفق اتفاق الإدارتين المصرية والسعودية في العام 1950، مختتماً كلمته: "أرضيت ضميري أمام الله، وأوافق على الاتفاقية!".
إلا أن عضو تكتل (25 - 30)، محمد عبد الغني، قال إن الشعب المصري كله يرفض اتفاقية الجزيرتين، وإن المسؤولية الوطنية تلزم النواب برفض الاتفاقية من أجل الحافظ على أرض الوطن، وعدم التفريط فيها، مطالباً بضرورة إخراج الجيش المصري من ملف الاتفاقية، وعدم استدعائه في كل حديث، لتمرير الاتفاقية.
وأضاف عبد الغني، منفعلاً: "مافيش وثيقة واحدة بتقول إن الجزر غير مصرية، فالجزيرتان مصريتان، وهناك حكم قضائي بات (نهائي) بأن سيادة مصر عليهما مقطوع بها"، متابعاً "الاتفاقية تتعارض مع الأمن القومي المصري، ومعمولة عشان إسرائيل"، وهنا قطع عنه الحديث، رئيس المجلس، علي عبد العال.
وقال نائب سيناء، حسام رفاعي، إن "تيران وصنافير مصرية سيناوية خالصة، وعلمونا في سيناء اللي بيرسم الحدود هي دماء الشهداء"، فقال له عبد العال: "لا داعي لمثل هذا الحديث العاطفي". فيما صرخ النائب سمير غطاس، قائلاً: "دول مش 50 ولا 100 متر، دول جزيرتين.. التاريخ ها يحاسبكم، والسيادة للجزيرتين لمصر، دون غيرها".
وهاجم عبد العال، النائب سيد أبو بردعة، المعارض للاتفاقية، مطالباً إياه بالجلوس، وإما التصويت على إخراجه من القاعة، قائلاً له: "خليك في الآثار أحسن"، في اتهام صريح بغير دليل، ما جعل النائب يضرب كفاً بكف، من دون تعليق.
وكان رئيس هيئة المساحة بالبحرية المصرية، العميد أشرف العسال، قد استعرض حديثه المكرر عن أن المسافات لا تحسم سيادة الجزر، وأن قرب أو بعد جزيرة عن ساحل الدولة لا يعني سيادتها عليها، إذ إن السيادة أمر يحسمه التاريخ والاتفاقيات السياسية، وليس المسافات، وهو ما قابله النواب الرافضون للاتفاقية بالتصفيق.
وعقب عبد العال، بوجه محتقن، قائلاً: "يبدو أن هناك سوء فهم حدث"، فهاج النائب طلعت خليل، قائلاً له "بتعترض على إيه؟، أنت عاوزها سعوديتين وخلاص"، فرد عبد العال: "من لا يحترم الزي العسكري لا مكان له في المجلس"، ما أثار حفيظة عدد من النواب، والذين هتفوا "مصرية.. مصرية".
وقابل نواب "دعم مصر" هتافات "مصرية" بالوقوف دعماً للاتفاقية، وتأييد سعودية الجزيرتين، واشتبك عضو ائتلاف الغالبية، محمد السلاب، مع المعارض للاتفاقية، محمود محي الدين، إذ قال الأول للأخير "احترم نفسك"، بعد أن قال له "اقعد يا جزمة".
بينما قال النائب مصطفى كمال الدين: "أنا من أبناء القوات المسلحة، وشاركت في حروبها، وحاصل على نوط الشجاعة من الدرجة الأولى، ووالدي من قادة حركة 23 يوليو.. ويجب عدم الزج باسم القوات المسلحة في كل كلمة بنقولها"، موجهاً حديثه لزميله حمدي بخيت، بقوله "ويجيب نائب يقول عليا خائن عشان مع مصرية الجزيرتين".
وعاد العسال ليواصل حديثه، قائلاً إن مصر حسمت حدودها البحرية في البحر الأحمر بالقرار الجمهوري رقم 27 لسنة 1990، والذي أودع في الأمم المتحدة في ذات العام، ويتضمن 56 نقطة أساس، لا يتضمن أي منها نقاط أساس بشأن جزيرتي "تيران وصنافير" داخل الحدود المصرية، وهو ما أثار غضب النواب.
وتابع أن الشعاب المرجانية في منطقة الجزيرتين مرتبطة جيولوجياً بالساحل السعودي، إذ تبعدان 800 متر عن الساحل السعودي، مقابل 4500 متر عن الساحل المصري، مشيراً إلى أن لجنة التفاوض مع السعودية استندت إلى مرجعيات قانونية وفنية، من بينها: اتفاقيتا جنيف لقانون البحار (1958)، والأمم المتحدة لقانون البحار (1982)، وأحكام محكمة العدل الدولية.
ولفت العسال إلى أنه تم الاستناد إلى تعريفات عدة من هذه المراجع قبل البدء في عملية التعيين، أبرزها: خط الأساس الذي يحدد حدود الدول، وأساس قياس المناطق البحرية الخاضعة لسيادة الدولة، ونهاية سيادتها، والبحر الإقليمي الذي يحدد بمسافة لا تجاوز 12 ميلاً بحرياً من خط الأساس.
وقال عبد العال، بدوره، إن اللجنة التشريعية عقدت 4 اجتماعات لمناقشة طريقة إقرار الاتفاقية، بلغ حضور النواب فيها نحو 250 عضواً من أعضاء اللجان المختلفة، فضلاً عن استدعاء العديد من الخبراء، سواء من أعضاء اللجنة التي تولت التفاوض، أو خبراء في الجغرافيا والتاريخ والعلوم الأخرى المتصلة بترسيم الحدود البحرية.
وأضاف عبد العال: "استدعينا من لا تتوافق آراؤهم مع الحكومة، حرصاً على الرأي والرأي الآخر، وليس لدينا ما نخفيه في هذه الاتفاقية.. وكلنا حريصون على الصالح العام، ونثق في رجال القوات المسلحة تماماً، فمن حارب وضحى من أجل هذه البلاد لا يعرف التفريط في ذرة من تراب الوطن"، وهو ما قابله نواب "دعم مصر" بالتصفيق.