براجيل دبي.. مكيّفات الهواء في أيام زمان

28 سبتمبر 2014
البراجيل التي لم تلغِها المكيّفات الكهربائية (العربي الجديد)
+ الخط -
هي حكاية شهيرة تحكي قصّة البراجيل، بين رجل أراد أن يتزوّج من امرأة، فأغراها ببناء بارجيل كبير لها. هذا الرجل أحبّ امرأة من الشارقة، فطلب يدها، لكنّها تردّدت، ورفضت العرض، فما كان من العاشق إلا أنّ أغراها بالبارجيل لأنّه يجلب الهواء البارد في حرارة الصيف: "سيكون هذا البارجيل كبيراً وواسعاً إلى درجة يمكن رؤيته من أطراف دبي البعيدة". لذلك سرعان ما وافقت، فتزوّجها.

هناك قصص أخرى تتعلّق بهذه البراجيل، منها ما يرويه حسن البلوشي، أحد "الشواب"، كما يسمّي الإماراتيون "الشياب" في لهجتهم المحلية: "كنّا، نحن الفقراء، نذهب إلى مناطق رأس الخيمة ومسافي ودبا وكلباء، ونحتمي بالعريش، المشيّد من سعف النخيل، هرباً من حرارة دبي المرتفعة، أما الأغنياء فكانوا يتمتعون بالهواء البارد الذي تولّده براجيل يشيّدونها على أسطح منازلهم". هو الذي اعتاد أن يجلس في مقهى قرب منطقة البستكية، الحيّ التاريخي القديم، الذي تغيّر اسمه إلى منطقة الفهيدي حالياً، حيث يتكوّن المقهى من عريش أساسه من سعف النخيل، يقضي فيه "الشواب" أيامهم في الصيف. 

ليست البراجيل جديدة العهد في دبي، فهي تعود في استخدامها إلى العصر العباسي، وانتشر استخدامها في كل من الكويت والبحرينة وإيران والإمارات، ومنها ما يرجع أصوله إلى عصر الفراعنة. وأوّل استخدام لها في الإمارات يعود إلى أوائل القرن العشرين، جاء بها التجّار الذين استقرّوا في منطقة الفهيدي التاريخية. ومن أجل تقريب صورتها إلى الأذهان، فهي تشبه "المشربيات"، المصنوعة من الخشب المنقوش والمزخرف بالرسوم. وقد بدأت صناعة البراجيل نتيجة الحاجة والضرورة، خصوصاً في المناطق الساحلية حيث تشتدّ درجات الرطوبة.

وأعلى الأماكن في القرية هي الأبراج الهوائية، "البراجيل"، للبيوت المبنية من الحجارة المرجانية، وأبراج المراقبة وقلعة الفهيدي. كما كانت ساريات السفن ترتفع عالياً ويمكن رؤيتها من البيوت التي تمتدّ على طول ساحل الخور ويحيط بها أشجار النخيل. كلمة براجيل، ومفردها بارجيل، كما يلفظها أهالي دبي، باللهجة المحلية، عبارة عن بناء مكعب، من أربعة أعمدة، يتربّع على سطوح المنازل، ليس للزينة فقط بل لكي يجذب الهواء البارد وينزّله إلى المنازل من أجل التهوية.
تذهب الذاكرة إلى سنوات طويلة في حياة دبي، هذه المدينة التي خلقت أجواءها بنفسها، ومن ابتكارات أبنائها، فكان أن نحتت لها شتى الأسماء، لأنّها بكل بساطة لم تستطع العيش بدون هذه الكلمات: مسارب الهواء، أو الأبرج الهوائية، أو الملاقط الهوائية. أسماء متعدّدة ترمز إلى هدف واحد هو القضاء على درجات الحرارة الملتهبة من خلال تبريد أجواء البيوت والباحات بدوران الهواء داخل الغرفة من الزوايا الأربع، في أوقات الصيف القائظ. 

ومع انتشار البراجيل، أصبحت من أبرز المعالم العمرانية، خصوصاً في امارة دبي التي أطلق عليها الناس اسم "واحة البراجيل"، لكثرة انتشارها على أسطح المنازل. 

وبمرور الزمن أصبحت البراجيل عبارة عن معمار هندسي، وطراز بنائي يميّز منازل دبي القديمة، ليضفي جمالية خاصّة إلى الأعمدة والأبواب والنوافذ المشيّدة من الحجر المرجاني والجبس والخشب. وهي مواد طبيعية تجلب البرودة، وتتلاءم مع الظروف الجوية المتقلّبة. ولا بدّ أن تكون البراجيل مرتفعة نحو 50 متراً حتّى تقوم بوظيفتها المطلوبة، وارتفاعها يقرّر مدى فاعليتها في تبريد الهواء.

ومن شدة حبّ أهالي دبي لهذه البراجيل، استمرّوا في بنائها فوق منازلهم الحديثة الطراز حتّى الآن. رغم انتشار المكيّفات الكهربائية في كلّ مكان، إلا أنّ هواء البراجيل يتميّز باعتداله وفائدته للصحّة.

المساهمون