براءة مبارك قانونياً

06 مارس 2017
+ الخط -
حصل حسني مبارك على البراءة من تهمة قتل المتظاهرين، وصار مثل أي مواطن مصري صالح، بل هو محاربٌ قديم ورئيس سابق. اختلف رد فعل المصريين على تبرئة مبارك، بين سخرية بعضهم إلى حد اتهام المتظاهرين بقتل أنفسهم وفرح آخرين بتبرئته قضائياً بعد إدانته و"ظلمه" سياسياً.
معلوم مسبقاً أن براءة مبارك كانت تحصيل حاصل، في ظل عدم إدانة أيٍّ من المتهمين الأصليين، بمن فيهم الذين اتهموا بالقتل تنفيذاً فعلياً، بينما هو اتُّهِم فقط بالمشاركة في الجريمة بالامتناع عن ممارسة صلاحياته وأداء دوره رئيسا في حماية الناس، والعمل على عدم تهديد حياتهم. وبالفعل، براءة مبارك منطقية، ليس فقط بالمعايير القضائية التي تستند إلى الأدلة المادية والقوانين المرعية، لكن أيضاً بمعيار المنطق العقلي، إذ لا يستقيم أن يُدان المتهم بالمشاركة السلبية، بعد تبرئة المتهم الأصلي.
لا بد من النظر إلى ذلك الحكم القضائي بعقل بارد، يضع الأمر في سياقه الأعم، فبعيداً عن أي مواقف سياسية، أو انفعالات عاطفية، لا غضاضة في تبرئة مبارك التي حصل عليها من القضاء، حيث يتسق الحكم تماماً مع تسلسل التطورات التي مرّت بها الحالة المصرية منذ 12 فبراير/ شباط 2011.
سياسياً، ليست براءة مبارك سوى إقرار قضائي وتثبيت قانوني لوضع قائم بالفعل. ليس فقط على المستوى السياسي المباشر، أي الدوائر والنخب التي تباشر العمل العام، بل أيضاً على المستوى غير المباشر، أي المجتمعي غير النخبوي، ففي الذهنية العامة لدى نسبة معتبرة من المصريين، لم يعد مبارك المسؤول المباشر عن التردّي الذي آلت إليه أوضاع مصر والمصريين بعد ثلاثين عاما له في الحكم. لذلك الفجوة شاسعة بين ردود الفعل السلبية الصامتة إزاء الحكم النهائي الأخير والمواقف الثورية الحماسية التي كانت تطالب بمحاكمته، بل وإعدامه، قبل أن تلغي محكمة النقض الحكم الصادر في حقه بالسجن المؤبد وتقرر إعادة محاكمته، فقد استقبل غالبية المصريين براءة مبارك بهدوء يجمع بين أسى من يؤيدون ثورة يناير وحسرتهم، لكنهم يئسوا من تحقيق مطالبها، ولا مبالاة من يهتمون فقط بالوضع الاقتصادي والمعيشي، ولا تعنيهم محاكمة مبارك، برّئ أو أدين.
محاكمات مبارك وبقية رموز حكمه قانونية فقط، إذ تبنت مدخلاً جنائياً في التصدّي إلى قضايا هي بالأساس سياسية، فضلاً عن أنها لا تمثل سوى جانب محدود من منظومة حكم متكاملة، شارك فيها الجميع، بمن فيهم المواطنون العاديون، سواء بالتكيف معها تجنباً لغضبها، أو بالانخراط فيها تطلعاً لمغانمها.
وعلى الرغم مما أصاب مصر من تدهور عام، تراكم بمضي سنوات حكم مبارك، إلا أن مصريين كثيرين يترحمون حالياً على عهد مبارك، ليس حباً فيه أو استمراء لذلك الوضع المتردي، وإنما بالمقارنة مع الوضع الأسوأ الذي صارت إليه مصر بعد 2011. وهنا، يحدث الربط الشعبوي بين الحنين إلى ماضٍ كان مصدر شكوى وتبرم في حينه، وغياب شخص مبارك. على الرغم من أن سوء الأحوال لم يكن بالمرة نتيجة رحيل الرجل، وإنما كان عقاباً للمصريين على مطالبتهم له بالرحيل!. ذلك العقاب الذي لم يكن ليحدث، لولا ما زرعه مبارك ورعاه من شبكات مصالح ومنظومات قوة وأساليب إدارة الدولة وآليات توجيه العقل الجمعي.
تعني براءة مبارك قضائياً أنه لا دليل قانونياً يثبت ما وُجِّه إليه من اتهامات، لكنها لا تعني براءته سياسياً وأخلاقياً عما جرى لمصر في عهده وبعده. أما لا مبالاة المصريين بمصيره فليست بالضرورة تعاطفاً معه أو تبرئته شعبياً، وإنما انعكاساً للانهماك في أحوالهم الراهنة، وتجاوزاً لماضيهم السيئ معه.
دلالات
58A20E76-8657-4557-85A3-A5682BEB4B9A
سامح راشد

باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط. درس العلوم السياسية وعمل في مراكز أبحاث مصرية وعربية. له أبحاث ومقالات عديدة في كتب ودوريات سياسية.