براءة ثم نسيان!

01 يناير 2015
كل ما جنته الثورة أصبح على المحك (Getty)
+ الخط -

"آفة حارتنا النسيان".. مقولة نجيب محفوظ البليغة المُعبرة عن الواقع المصري، بل والعربي، دائماً وأبداً، للأسف أثبتت تلك المقولة صلاحيتها حتي فيما يتعلق بالقصاص للدماء العبِقة التي سالت على شوارع وأرصفة مصر، فلم يلبث حكم براءة مبارك كثيراً حتى نسيه بعض وتناساه بعض آخر، وكأن شيئاً لم يكن، ولكن هناك من لم ولن ينسوه.

لم تخرج براءة، اللص بحكم محكمة، محمد حسنى مبارك من قتل المتظاهرين صريحة من فم القاضي، بل جاءت البراءة مستترة، فيما يُسمى "الأمر بألا وجه ضمني لإقامة الدعوى الجنائية"، ولكن هل يُعقل أن يكون جزاء ثلاثين عاماً، من الفساد وإزهاق مئات الأرواح، البراءة المؤسسة على خطأ فى إجراء قانوني؟، تأتى الإجابة من عناوين إحدى الصحف العالمية التى قالت بالإنجليزية ما ترجمته "مبارك حر؟ فى مصر كل شيء ممكن".

بالطبع جاء الحكم مُخيّباً ومُخزياً للأمال، مثيراً ومشعلاً لآلام الأمهات الثكالى، هؤلاء النسوة اللائى اتخذن من السواد رداء بل وأسلوب حياة، أمهات الشهداء اللائي لم يطمحن إلى أكثر من إدانه قاتل تثلج قلوبهن المعبأة بالحزن على فراق فلذات أكبادهن، فرصاصات الغدر طالت قلوبهن قبل أن تطأ أجساد من هم فى عمر الزهور، لتنتهي حياتهم فى ريعان ربيعها فعليّاً، وتنتهى حياة أهلهم وذويهم شكليّاً، ليقضوا ما تبقى من أيامها البائسة فى الحزن والنحيب الذي لا يطفىء جرحاً ولا يشفي ألماً.

ولكن لماذا النسيان؟ لماذا الانشغال بالعصفورة التي طالما أرادوا أن ننشغل بها؟!

لم نعد نملك رفاهية النسيان، فكل ما جنته الثورة أصبح على المحك، أًهدِرت الدماء، فسكن أصحابها القبور وسكن مُهدروها على ضفاف النيل، لم يعد الحديث، والذي كنت أنوي الاسترسال فيه، عن مُجريات محاكمة مبارك مُجدياً، لم يعد أيضاً، الآن، الحديث عن وجوب إجراء محاكمات ثورية للمخلوع مبارك ولكل من تسبب فى إهدار الدماء والفساد مُجدياً، فلا نية من قريب أو بعيد لدى نظام شرع قانوناً لقمع التظاهر في أن يُعدم قاتل المتظاهرين، كل ما هو مجدٍ الآن.. التعلم من أخطاء الماضى.

ما وصلنا إليه بعد ما يقرب من أربع سنوات على اشتعال ثورة 25 يناير، ليس طبيعيّاً، ما وصلنا إليه يدفع إلى البؤس بل وإلى الانتحار كما اختار وسيختار بعض، ولكن يا دولة الثوار، طالما عهدكِ العدو قبل الحبيب، قوية، مُثابرةَ، تتلقى الصفعات فتزيدين قوة، كونوا على عهدكم باقين، فمن البقاء سيترعرع النصر، ذلك النصر الذى غرسته دماء الشهداء فظلت مُحتفظة بعبقها في ميدان التحرير ورابعة وشارع محمد محمود والكثير من المواضع، عبقها الذى لا يشتمه إلا هؤلاء الذين مسهم الحلم وسكنتهم الثورة.

ترتعد القلوب وترتجف عند المرور فى هذه المواضع، تُدمى القلوب وتنتحب بين الضلوع، محدثة صيرراً لا يسمعه سوى صاحبه، ليبقى هو وحده محتفظاً بألمه، للثائرين على مر العصور عهد عظيم بالآلام، فما يأتي بسهولة، يذهب بسهولة، ولن يأتي قصاص الشهداء ولن تتحقق مطالب الثورة بسهولة، كذلك لن تضيع بسهولة، ما زال الطريق طويلاً، والأمل، كل الأمل.. في أن تظل دولة الثوار على عهدها.


*مصر

المساهمون