بذخ المليارديرات في الانتخابات الأميركية

28 أكتوبر 2014
لافتات دعاية لمرشحة مجلس الشيوخ الأميركي، جوني إرنست (Getty)
+ الخط -
 
يتنافس المرشحون في انتخابات الكونغرس النصفية التي ستجري في الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، على جميع مقاعد النواب الـ 435 (أغلبية جمهورية حالياً) وثلث مقاعد مجلس الشيوخ، (أغلبية ديمقراطية حالياً).

وتعود أهمية هذه الانتخابات لكونها ستقرر ما إذا كان أحد الحزبين سيسيطر بصورة كاملة على الكونغرس بحجرتيه، حتى موعد الانتخابات الرئاسية والنصفية القادمة في نوفمبر/تشرين الثاني2016.

ويثير سؤال نفقات هذه الانتخابات وسابقتها قلق الكثير من الأميركيين والمراقبين، خوفاً من سيطرة كاملة لنفوذ المصالح الخاصة على السياسة، وخاصة بعد السماح منذ عام 2010 بتمويل الشركات التي يمتلكها مليارديرات أميركيون والاتحادات للدعاية الانتخابية ودون تحديد سقف مادي للإنفاق.

وقدر "مركز السياسة المسؤولة" الأميركي المستقل قيمة ما صُرف في الانتخابات الأميركية الأخيرة عام 2012 (الانتخابات الرئاسية وانتخابات الكونغرس النصفية) بنحو 6.3 مليار دولار.

ولا توجد أرقام نهائية حول ما صُرف حتى الآن على الانتخابات التي ستجري بعد نحو أسبوع، لكن يبدو أن الخوف من سيطرة محتملة للجمهوريين على الكونغرس بحجرتيه، مجلس النواب ومجلس الشيوخ، جعل الديمقراطيين يتفوقون على نظرائهم من حيث الإنفاق على الانتخابات الحالية، مقارنة بالجمهوريين، بحسب تقارير صحافية وإحصاءات لمؤسسات عدة، إلا أن هذه الإحصاءات والتقارير لن تكون نهائية، إلا بعد انتهاء موعد التصويت.

ويفوق حجم الإنفاق على الانتخابات الأميركية أضعاف ما يتم إنفاقه في أي ديمقراطية انتخابية في العالم. فعلى سبيل المثال، يذكر تقرير للبي بي سي في هذا الصدد أن ما صُرف على الانتخابات الرئاسية والنصفية للكونغرس الأخيرة عام 2012 في الولايات المتحدة (نحو 6.3 مليار دولار) يفوق بنحو 120 مرة ما صرفته الأحزاب البريطانية مجتمعة، في الانتخابات العمومية الأخيرة في بريطانيا.

كما أنه يفوق ميزانية سنة كاملة لبعض الدول الفقيرة مثل فلسطين والسودان، وكانت الغلبة للصرف على انتخابات الكونغرس، في حين استنزفت الانتخابات الرئاسية من قبل الطرفين 2.6 مليار دولار من أصل الـ 6.3 مليار. ومن المتوقع أن تقترب نسبة الصرف على الانتخابات النصفية هذا العام أو تفوق الـ 4 مليارات دولار، إذا ما قورنت بالانتخابات الأخيرة، وفق مراقبين.

وحول تفاصيل إنفاق كل هذه المبالغ الهائلة ومصادرها، تشير تقارير عدة لمؤسسات مختصة إلى أن نصف هذه الأموال تذهب للدعاية الانتخابية المتلفزة، في حين تشهد شبكة الإنترنت نمواً كبيراً في الصرف على الدعاية فيه. وعلى عكس ما هو متبع غالباً في دول أخرى، أي أن يقوم الحزب بدعاياته الخاصة به، فإن الكثير من هذه الدعايات ممولة من قبل شركات أو اتحادات أو أفراد.

وهي منفصلة عن الدعايات التي يقوم بها المرشحون أنفسهم أو الحزبيون، ولكنها تصب في صالحها بالطبع. كما أن هذه الجهات هي المسؤولة عن مضامين الدعايات وتوقيت ومكان بثها.

وتفيد تقارير إعلامية بأن ثلثي هذه الدعايات تحمل رسائل سلبية ضد المرشح المنافس للدائرة أو الولاية. وغالباً ما تكون السلبية مبنية على التخويف أو مهاجمة الطرف الآخر، دون أن يرتكز هذا الهجوم على حقائق، فهي كثيراً ما تخاطب المشاعر والمخاوف.

ويلاحظ من الإحصاءات التي يرصدها "مركز السياسة المسؤولة" أن حجم الصرف على الانتخابات الأميركية ازداد بشكل كبير في العقدين الأخيرين بالذات. ففي حين كان مجموع ما صُرف على الانتخابات النصفية عام 2000 نحو المليار دولار فإن المبلغ وصل عام 2008 إلى نحو 2.5 مليار دولار، وشهد قفزة إضافية ونوعية بعد العام 2010.

ويعود هذا التغير السريع في نسبة الصرف على الانتخابات خاصة بعد 2010، إلى قيام المحكمة العليا بإصدار عدد من الأحكام أدت إلى فتح الباب للشركات والاتحادات للصرف على الحملات الانتخابية. إذ تم اعتبار الشركات بمثابة أفراد وتم تفسير تبرعاتها للحملات الانتخابية على أنها جزء من حرية التعبير عن الرأي التي يكفلها الدستور الأميركي ولا يمكن الحد منه.

وبذلك لا يمكن الحد من تمويلها وربطه بسقف مالي. وهنا كان مولد ما عرف بالـ "سوبر باكس" ”Super Pacs“ وهي لجان سياسية مستقلة يُسمح لها أن تجمع تبرعات غير محدودة من الشركات والاتحادات والأفراد، لكن دون أن تتبرع للأحزاب أو المرشحين بصورة مباشرة أو تنسق معهم. وبعد هذا القرار أصبح من الممكن أن تمول الشركات والاتحادات دعايتها الخاصة لدعم هذا المرشح أو ذاك بصورة غير مباشرة.

وليس مفاجئاً أن أهم مصادر تمويل مجموعات الـ "سوبر باكس" هم أصحاب المليارات والشركات الكبرى.

وتفيد بعض التقارير الإعلامية أن الحزب الديمقراطي والداعمين له في هذه الانتخابات يُنفقون على الدعاية أكثر من أي وقت مضى، في ظل هبوط شعبية الرئيس أوباما في الأشهر الأخيرة إلى نحو 40% وهو أدنى مستوياته منذ انتخابه عام 2009.

في المقابل، ذكر تقرير لصحيفة الـ "واشنطن بوست" أن أصحاب المليارات من داعمي الحزب الجمهوري بدأوا يتبرعون بسخاء أكثر في محاولة للتصدي للصرف الديمقراطي.

ويرى كثير من المراقبين للانتخابات الأميركية بأن تعاظم تأثير رؤوس الأموال والمصالح الخاصة يُفرّغ العملية الديمقراطية من محتواها الحقيقي، ويُضعف قوة الناخب ويضر بمصالح الغالبية التي لا يصل صوتها إلى وسائل الإعلام التي تسيطر عليها الشركات الكبرى.

لكن هناك أيضاً من يظن أن هذا الإنفاق وكل هذه الدعايات تساهم في تحريك الناخبين وخروج عدد أكبر من قواعد كل من الحزبين للمشاركة في التصويت، خصوصاً أن نسب المشاركة ضعيفة مقارنة بالدول الغربية عموماً.
المساهمون