ربّما تَجدُ بعض النساء البدينات المتصالحات مع أنفسهن، تراهنّ يعشن حياة عاطفية ناجحة واجتماعية جيدة. منهنّ من حققن الألقاب في مسابقات الجمال، أو تمكنّ من تحقيق نجاحات على مختلف الأصعدة، من دون أن تكون أجسادهن عائقاً أمامهن. إلا أن الأمر لا ينطبق على جميع البدينات، اللواتي يتأثرن، كثيراً، بالتعليقات السلبية، ما يضعف ثقتهن في أنفسهن.
لا تخجلُ الطالبة الجامعية هبة (20 عاماً) من الإفصاح عن وزنها، وهو 85 كيلوغراماً، تبدو على قناعة بأن البدانة ليست معياراً للقبح أو الجمال. تَرى أن الفتاة قادرة على أن تكون جميلة مهما كان وزنها، من خلال شخصيتها. تضيف أنها الفتاة الوحيدة البدينة بين أصدقائها، إلا أنهم لا يعاملونها على هذا الأساس، بل يعتبرونها خفيفة الظل، ودائماً ما تسمع عبارات الإطراء.
من جهة أخرى، تقول هبة، إن الأمر لا يخلو من بعض النكات. "على سبيل المثال، حين أصل متأخرة عن موعد ما، قد يعلّق أحدهم: ها قد وصلت الثلاجة (في إشارة إلى ثقلها). أما إذا كنّا في السيّارة، فقد يعلق أحدهم: عسى أن نصل سالمين". تؤكد أن هذه النكات "لا تزعجني، بل تضحكني".
وعن علاقتها بالجنس الآخر، وما إذا كانت تواجه صعوبة في جذب الرجل، تقول هبة، إنها تعرّفت بشباب كثيرين، منهم من كان نحيفاً ومنهم من كان بديناً. "لم يشعرني أحدهم إلا أنني فاتنة، وهذا ما عزّز ثقتي في نفسي". لا تواجه أي مشاكل في شراء الثياب، وخصوصاً أن المحال التجارية تحوي ملابس للجميع، مشيرة إلى أنها تهوى الأزياء والموضة.
في أحد المقاهي، كانت سالي (26 عاماً)، التي تزن 88 كيلوغراماً، تُغنّي. تقول إنها لا تفكّر، أبداً، أنها بدينة، ولا تعطي أي أهمية للأمر. تقول، إن "الله خلقني على هذا الشكل، ويجب أن أستفيد من كل شيء، أعيش حياة أكثر من طبيعية، وأحضّر رسالة الماجستير الآن، وأعمل بشغف. لدي أصدقاء كثيرون ومعجبون. لا أكترث للتعليقات الساخرة، وأحرص على اختيار أصدقائي بدقة".
تتابع: "أعيش الآن قصة حب مع شخص ينقصني وزناً بنحو 12 كيلوغراماً، يراني جميلة، لم يشعرني، يوماً، أنني مختلفة". تشير إلى أنها لم تكن تتمتع بثقة في نفسها خلال مراهقتها، قائلة: "كنت أغار من صديقاتي، وأرغب في ارتداء ثياب جميلة مثلهن. حتى علاقاتي العاطفية كانت معدومة. ففي هذه المرحلة العمرية، يكون تفكيرنا أقل نضجاً، ولا نكترث إلا بالمظهر الخارجي. اختلف الأمر حين كبرت. عملت على تنمية مواهبي واختيار أصدقائي". عن الملابس التي تختارها، تقول، إن أزياء البدينات صارت متوفرة، وتمنحُ البدينة حضوراً لافتاً.
في السياق ذاته، يقول أستاذ علم النفس، نبيل خوري، إن "المجتمعات المتطورة تقيم وزناً لفكر الإنسان وثقافته، وكل هذه الأمور تزيد من جماله الخارجي". ويسألُ: "هل يجد البدين نفسه محلّ جذب بسبب كفاءاته العلمية وحضوره الاجتماعي، أم يتكل على شكله الخارجي؟".
يقول لـ "العربي الجديد"، إن "هناك مقاييس عدة تعتمد لجذب الجنس الآخر. بعض الرجال ينجذبون للمرأة التي تميلُ إلى البدانة، ليحتل الانسجام الفكري المرتبة الأولى، وتبقى هذه النسبة قليلة، فالعدد الأكبر من الرجال يفضلّون الفتاة الرشيقة". يضيف أن "البدينات ينقسمن إلى قسمين: المتصالحات مع الذات والمتقبلات لوضعهن، وعادة ما تكون حظوظ هؤلاء مرتفعة بشكل عام. أما القسم الثاني، فيدعين أنهن متصالحات مع أنفسهن، ويحاولن إظهار صورة مغايرة عن حالة الضيق التي يشعرن بها، وغالباً ما ينعكس الأمر سلباً على صداقاتهن وعلاقاتهن وقدرتهن على الجذب".
ويلفت خوري الى أن "بعض البدينات خفيفات الظل ويحكين نكات حتى عن أوزانهنّ، إما بهدف إخبار المحيطين بهن أنهن مرتاحات مع أنفسهن، أم أنهن بالفعل يتمتعن بحس الفكاهة، وطاقات فكرية وقدرة على التفاعل مع المجتمع، حتى أنهن لا يكترثن لأي تعليقات ساخرة".
ويرى أن "وسائل الإعلام تُساهم في تهميش البدينات اللواتي لا يتمتعن بمساحة إعلامية لازمة للحديث عنهن أو الاستعانة بهن. وعادة ما تجتهد للترويج للنحيفات". وعن برامج الجمال الخاصة بالبدينات، على غرار مسابقة ملكة جمال بدينات العرب، يشدد على أن "مفهوم المرأة البدينة السلعة يسقط في برامج مماثلة، وتصبح المرأة كينونة قائمة بشكلها الخارجي وثقافتها وحضورها الاجتماعي".
اقرأ أيضاً: وباء السمنة